كثّف الزعيم الشيعي العراقي مقتدى الصدر بشكل لافت من تصريحاته النارية وقراراته الصادمة، مستنجدا بـ”تكنيكه” السياسي المألوف الذي دأب على اللجوء إليه للبروز في واجهة المشهد السياسي كلّما لمس تراجعا في شعبيته، أو أحسّ برجوح كفة الغلبة في صراعاته السياسية لمصلحة خصومه ومنافسيه.
ويواجه الصدر هذه الأيام محاذير تراجع ثقة الشارع العراقي فيه والفشل في تقديم نفسه “بديلا ثوريا” للنظام القائم على حكم الأحزاب الشيعية في العراق والذي هو جزء أساسي منه.
ويتحدّث عراقيون عن “انفجار فقاعة الصدر” التي تضخمت كثيرا أثناء موجة الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالإصلاح ومحاربة الفساد، حين ركب زعيم التيار الصدري تلك الموجة وحاول تزعمها لكنه تسبّب في حرف الحراك الشعبي العفوي عن أهدافه وتجييره في صراعه على السلطة ضدّ خصومه من أبناء العائلة السياسية الشيعية.
كما يواجه الصدر بالتوازي مع ذلك موجة غير مسبوقة من الضغوط وحتى “الإهانات” من قبل جهات ودوائر نافذة في السلطة تتهمه بادعاء محاربة الفساد فيما هو متورّط فيه.
وقال رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إنه “ليس من حق أحد رفع شعار الإصلاح وسلوكه يصب ضده.. وليس من حق أحد رفع شعار محاربة الفاسدين، ومؤسسته وأعوانه هم الفاسدون بالمجتمع”، معتبرا أن “ذلك نوع من الازدواجية والنفاق”.
وأضاف العبادي أنّ “البعض يحاول تهميش كل شيء من أجل معركة يراها ضرورية وهي معركة سياسية”.
واعتبرت معظم التحليلات أنّ كلام العبادي موجه ضدّ زعيم التيار الصدري ردّا على قوله إنه الوحيد القادر على تحريك الشارع العراقي ضدّ الفساد، وإنه لا يريد بذلك مطلبا دنيويا ولا تحصيل منصب.
غير أنّ الصدر أنكر أن يكون هو المعني بكلام رئيس الوزراء قائلا “العبادي أخبرني أنه لا يقصد التيار الصدري بتلك التصريحات”.
ودأب مقتدى الصدر على تخطّي مثل هذه المراحل الصعبة ومواجهة المواقف المحرجة بإحداث الضجيج وتحقيق الإبهار الإعلامي بإطلاق مواقف وقرارات شعبوية، سبق أن بلغت حدّ إعلانه اعتزال الحياة السياسية بشكل نهائي دون أن يطبق ذلك بشكل فعلي.
وأحدثُ تلك القرارات إغلاق مكاتب التيار الصدري في أرجاء العراق، باستثناء محافظة النجف “وتحويلها إلى مساكن للفقراء”.
فشل زعيم التيار الصدري في طرح نفسه بديلا ثوريا عن نظام الأحزاب الدينية القائم في العراق والذي يعتبر الصدر ذاته جزءا منه
وذكر تلفزيون “الأضواء” التابع للتيار أن “الصدر أمر مدير مكتبه الخاص بتشكيل لجنة تتولى إخلاء جميع مكاتب التيار، في محافظات العراق باستثناء مكتب النجف”، وأضاف أن تلك المكاتب “سيتم تحويلها لدور سكنية تمهيدا لتسكين الفقراء وذوي الدخل المحدود فيها”.
ولا يُعلم عدد مكاتب التيار الصدري المزمع إغلاقها ولا مدى فاعلية ذلك في تخفيف أزمة السكن الحادّة في البلد والتي تتطلب إنشاء مئات الآلاف من الوحدات السكنية، ليظلّ قرار زعيم التيار الصدري بذلك قرارا شعبويا هادفا إلى دغدغة المشاعر واستمالة الرأي العام.
ومازال مقتدى الصدر يطمح إلى تزعّم الحراك الشعبي في العراق باعتباره أنجع وسيلة لمواجهة خصومه السياسيين الأقوياء.
وأعلن الثلاثاء أنّ الوقت لم يحن بعد لإعلان العصيان المدني، قائلا “إذا كان العصيان المدني سلميا وكان خيارا للشعب فهو مرضٍي من قبلي”، مستدركا بالقول “لا أظن أن وقته قد حان”.
وإضافة إلى هذه القرارات والمواقف حرص زعيم التيار الصدري خلال الأيام الماضية على استعادة صورته القديمة كـ“مناهض” للاحتلال الأميركي وللتدخل العسكري الأجنبي عموما داخل الأراضي العراقية.
وهدّد مقتدى الصدر بالتعامل مع الجنود البريطانيين الذين من المقرر أن يشاركوا في عمليات استعادة مدينة الموصل بشمال البلاد من تنظيم داعش كـ”محتلين” بحسب بيان صدر الأحد عن مكتبه.
وقال الصدر في إجابته عن سؤال لأحد أنصاره، بشأن موقفه من إعلان الحكومة البريطانية عزمها إرسال قوات للمشاركة في معركة الموصل، “لن يكونوا محررين بل سنعاملهم كمحتلين”.
وأعلنت بريطانيا، الأربعاء الماضي، على لسان وزير دفاعها، مايكل فالون، أن لندن ستضاعف قواتها في العراق إلى 500 جندي، للمساهمة في تدريب القوات العراقية لمواجهة تنظيم داعش.
وكان الصدر قد هدّد قبل ذلك باستهداف القوات الأميركية المزمع إرسالها إلى العراق لمحاربة تنظيم داعش، وذلك تعقيبا على إعلان وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر نية بلاده إرسال 560 جنديا إضافيا إلى العراق لمهام فنية ولوجستية تتصل بمعركة الموصل.
وسبق أن قاد الصدر معارك شوارع ضد القوات الأميركية إبان احتلالها للعراق بين عامي 2003 و2011، لكن تنفيذ تهديده هذه المرّة يبدو بعيدا عن الواقع نظرا لبعد القوات الأجنبية في العراق عن مواقع القتال وتحصّنها في قواعد عالية الحماية والتحصين.
ويظل العائد الإعلامي والسياسي هو أقصى مطالب مقتدى الصدر من مواقفه النارية وقراراته الغريبة وتهديداته للقوات الأجنبية، سعيا لكسب ودّ شارع عراقي يبدو متجها إلى فقد الثقة بالكامل في الطبقة السياسية بموالاتها ومعارضتها.
صحيفة العرب