كل المقاربات الدولية لقضية النازحين السوريين تصبّ في طاحونة إدماجهم في البلدان المضيفة، ومنها لبنان. آخر هذه المقاربات مبادرة أميركية ستطلق في 20 أيلول المقبل، في مؤتمر مخصص للاجئين يعقده الرئيس باراك أوباما لقادة الدول على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
والأبرز في الاعلان غير الملزم الذي سيصدر عن المؤتمر، ويجري التفاوض حوله، أنه يحض الدول المضيفة على «البدء بالاجراءات القانونية وتجهيز البيئة الملائمة لاعطاء الجنسية للنازحين في الدول المضيفة بعد توفير شروط الاندماج الاجتماعي والاقتصادي لهم». ويركّز المؤتمر على مسائل قد تشكّل أساساً لحلول دائمة لأزمة النازحين، ولا سيما «التعليم» و«إعادة التوطين» و«خلق الوظائف»، و«الالتزام» بالانتقال من تقديم المساعدات للنازحين المحتاجين الى مساعدتهم على تلبية حاجاتهم بأنفسهم (shift from delivering aid to ending need). بكلمات أخرى: إيجاد طرق تساعدهم على الاندماج اقتصادياً ومعيشياً في البلدان المستقبلة بما ينهي تدريجيا، ومع مرور الوقت، من الاعتماد على الخارج، لصالح اللجوء الى حلول اكثر استدامة، عبر الاعتراف بحقوق النازحين في الاقامة والعمل القانوني.
الخطر في الاعلان الأميركي المقترح، بحسب مصادر دبلوماسية لبنانية، أنه يدعو الى مساعدة الدول المضيفة على التأقلم مع مكوث طويل الأمد للنازحين، ويأتي في سياق حشد الدعم للمبادرة التي سيطرحها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في الاجتماع الرفيع المستوى الذي سيعقد في الأمم المتحدة في 19 أيلول حول «التعامل مع التحركات الكبيرة للاجئين والمهاجرين في العالم». وتصف المصادر الاعلان الأميركي بأنه «أسوأ بمرات من تقرير بان كي مون» (راجع الاطار المرفق).
المصادر الدبلوماسية أشارت الى أن «لبنان أبدى، في نقاش أولي للاعلان الأميركي، تحفظات عن بعض البنود التي تتعارض مع الثوابت الوطنية والدستورية، مؤكداً أن عودة النازحين واللاجئين الى بلادهم هي الحلّ النهائي المنشود. ورغم أن الجانب الأميركي أخذ ببعض المقترحات في مشروع النص، إلا أن لبنان يفضّل التريث في هذه المرحلة وعدم الارتباط بأي مواقف ــــ وإن كان الاعلان غير ملزم ــــ تحسباً لتغييرات قد تدخل على النص المقترح».
وتؤكد المصادر أن «المخاوف من التوطين لم تعد مجرد فزاعة تستخدم في المزايدات السياسية الداخلية، بل باتت حبراً على ورق دولي». ورغم التأكيدات الدولية بأن مثل هذه التوصيات لا تتعلق بلبنان حصراً، إلا أن المصادر تشير الى أن ارتكاز هذه المبادرات على ترسانة من المبادئ والمواثيق الدولية «تجعلنا نبدو في مظهر المخالف للمواثيق والعهود الدولية رغم أن لبنان لم يوقع على بعضها كاتفاقية 1951 الخاصة بوضع اللاجئين». وتلفت الى أن كل المقاربات الدولية لايجاد حلول طويلة الأمد لأزمة النازحين ترتكز على إدماجهم في المجتمعات المضيفة «وهو ما لا قدرة لنا على تحمله»، أو إعادة التوطين في بلدان ثالثة «وهو ما يشكل حلاً لبعض الحالات ولكن ليس حلاً شاملاً للأزمة»، فيما «يتم دائماً التغاضي عن خيار عودتهم الآمنة (لا الطوعية) الى المناطق الآمنة في بلادهم».
ويؤخذ على هذه المقاربات أنها تتعامل مع قضية اللجوء «بالجملة، ومن دون الأخذ في الاعتبار خصوصيات بعض الدول. إذ لا يعقل أن يطبّق مبدأ وحيد على الجميع كأن يُعتبر لبنان وألمانيا، مثلاً، بلدين مضيفين عليهما الالتزامات نفسها.
ناهيك عن أن دعوات الاندماج لا تنطبق بالمقدار نفسه على كل المجتمعات المستقبلة للاجئين والنازحين. إذ أن النازح السوري في لبنان أكثر من مندمج بفعل انعدام حواجز اللغة والثقافة والهندام وغير ذلك، الأمر الذي لا ينطبق على النازح السوري في البلدان الأوروبية مثلاً». كما أن هذه المبادرات تدمج بين مفهومي اللاجئ (refugee) والمهاجر (migrant)، علماً أن المفهومين مختلفان بحسب القانون الدولي ولكل منهما إطار قانوني مختلف يحدد طريقة التعامل معه وواجباته تجاه الدولة المضيفة.
في موازاة ذلك، علمت «الأخبار» أن ضغوطاً أوروبية تمارس على لبنان لتوقيع ورقة التزامات متبادلة في شأن قضية النازحين السوريين. وقد طلب عدد من وزراء خارجية دول الاتحاد الذين زاروا لبنان، وآخرهم وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت قبل أسابيع، من المسؤولين اللبنانيين توقيع الورقة لتسهيل حصول لبنان على مساعدات. مصادر مطلعة قالت لـ «الأخبار» إن لبنان لا يزال يبدي ممانعة لتوقيع الورقة التي تتضمّن التزامات الطرفين في شأن أزمة النازحين، «لكنها من الناحية الأوروبية التزامات ضبابية كالتأكيد على العمل على مساعدة القطاع الخاص اللبناني على رفع مستوى المواصفات للتمكن من الدخول الى أسواق الاتحاد الأوروبي، فيما المطلوب عملياً إلغاء بعض القيود أو تخفيفها أو تقديم التزامات مالية واضحة وقروض ميسرة عبر بنك الاستثمار الأوروبي. أما المطلوب من لبنان، في المقابل، فهو الالتزام بإجراءات استيعابية تتعلق بالنازحين وتعليمهم وإعطائهم أوراقاً رسمية وصولاً الى دمجهم». وتؤكّد المصادر أن المسؤولين اللبنانيين، على اختلاف توجهاتهم، متوافقون على مقاربة قضية النزوح السوري من منطلقين قانونيين واردين في ديباجة اتفاقية 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، الأول: أن على كل دولة التزامات تجاه مواطنيها بالحفاظ على أمنهم القومي واتخاذ كل الاجراءات لحماية شعبها واقتصادها وحدودها. والثاني: التأكيد على التضامن الدولي في مواجهة أزمات اللجوء، «ومن هذين المنطلقين سيرفض لبنان أي مبادرات لا تخصصه بمقاربة واقعية تتسق مع تركيبته المجتمعية والسياسية الخاصة».