بعد أقل من أسبوعين من مجزرة نيس، تجد فرنسا نفسها مجدداً أمام تحد ارهابي جديد تمثل في مقتل كاهن ذبحاً وإصابة مصلٍّ بجروح بالغة في عملية احتجاز رهائن نفذها رجلان أمس في كنيسة في سانت اتيان دو روفريه قرب مدينة روان بمنطقة النورماندي في شمال غرب فرنسا وتبناها تنظيم "الدولة الاسلامية" (داعش). وهي المرة الاولى تتعرض كنيسة لاعتداء في أوروبا على يد هذا التنظيم. ورأى الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الذي يتعرض لانتقادات قوية من المعارضة اليمينية أن الحرب على الإرهاب ستكون طويلة. وندد الفاتيكان بـ"جريمة همجية"، فيما عبر البابا فرنسيس عن ألمه للعنف الذي استهدف كنيسة ومؤمنين. 

 

وروت راهبة نجت من الهجوم أنها شاهدت المهاجمين وهما يصوران أحدهما الآخر يتحدّثان بالعربية حول مذبح الكنيسة. وانقذت الشرطة ثلاثة أشخاص آخرين كانوا في الكنيسة بينهم راهبة ثانية.
وأفادت وزارة الداخلية الفرنسية أن المعتديين دخلا الكنيسة قرابة الساعة 7:30 بتوقيت غرينيتش خلال القداس، واحتجزا خمسة اشخاص خرج منهم ثلاثة سالمين.
ثم اقدما على ذبح الكاهن جاك هامل (86 سنة)، واصابوا شخصاً آخر لم تكشف هويته بجروح بالغة.
وقال مصدر مطلع على التحقيق إن المهاجمين هتفا "الله اكبر" وهما يدخلان الكنيسة. وقد قتلتهما الشرطة بينما كانا يخرجان الى باحة الكنيسة.

 

التعرف على أحد المهاجمين
وأعلن النائب العام الفرنسي فرنسوا مولان التعرف على هوية أحد منفذي الاعتداء على الكنيسة.
وقال إن اسمه عادل كرميش من مواليد فرنسا ويبلغ من العمر 19 سنة وهو معروف لدى أجهزة الأمن إذ حاول مرتين التوجه الى سوريا وكان يخضع للمراقبة بسوار الكتروني حين نفذ الاعتداء.
وأضاف أن كرميش وشخصاً آخر لم تكشف هويته، اقتحما كنيسة سانت اتيان دو روفريه مسلحين بسكاكين واحتجزا خمسة اشخاص هم ثلاث راهبات واثنان من المصلين.
وتمكنت راهبة من الهرب وأبلغت الشرطة التي حاولت فور وصولها الى المكان التفاوض مع الخاطفين عبر باب صغير.
وأوضح النائب العام ان الشرطة لم تكن قادرة على شن هجوم فوراً بسبب وضع ثلاث من الرهائن أمام باب الكنيسة.
بعدها تمكنت الراهبتان واحد المصلين من الخروج من الكنيسة فلحق بهما المهاجمان وكان أحدهما يحمل مسدساً وهاجما الشرطة وهما يصرخان "الله اكبر".
وقد قتلت الشرطة الشابين "اللذين كانا يحملان عبوتين ناسفتين وهميتين غطيتا بورق ألومنيوم".
وعثر على الكاهن مذبوحاً، بينما أصيب المصلي الذي كان لا يزال محتجزاً داخل الكنيسة بجروح بالغة بسكين وهو في الـ86 من العمر.
وقال جار أسرة كرميش البالغ من العمر 60 سنة "كنا نعرف انه يريد الذهاب الى سوريا"، مشيراً الى انه لم يسبق له "ان شاهده في المسجد" الذي يصلي فيه يومياً.
وفي بلدة سانت اتيان دو روفريه حيث حصل الاعتداء، رسم أشخاص آخرون يعرفون المهاجم صورة متناقضة له.
وقال أحدهم لاذاعة "ار تي ال": "لست مستغرباً من الامر كان يحدثني عنه دائماً... كان يتحدث عن الاسلام وانه سيفعل اشياء من هذا القبيل". وتحدث عن التعرض لكنيسة "قبل شهرين ولم أصدقه. كان يتحدث عن الكثير من الامور".
في المقابل، قال شخص آخر يعرفه للاذاعة: "كان شاباً مثلنا، ولا فهم كيف سقط هذه السقطة... لقد غسل دماغه. ان ما فعله لا علاقة له بالمسلمين".
وصرح إمام سانت اتيان دو روفريه محمد كرابيلا بان جريمة ذبح "صديقه" كاهن هذه البلدة "روعته". وقال: "أنا لا أفهم، كل صلواتنا تتّجه الى عائلته والى الطائفة الكاثوليكية".

هولاند
وتفقد هولاند مكان الاعتداء الذي وصفه بانه "جريمة ارهابية دنيئة".
ولاحقاً رفض الرئيس في كلمة متلفزة من قصر الاليزيه دعوات المعارضة من اليمين واليمين المتطرف الى مزيد من التشديد لقوانين مكافحة الارهاب بعد الاعتداء على الكنيسة، معتبراً ان القوانين التي تم التصويت عليها منذ عام 2015 تمنح السلطات "القدرة على التحرك". وقال "ان التضييق على حرياتنا والانتقاص من قوانينا الدستورية لن يعطي فاعلية في مكافحة الارهاب، وسيضعف التماسك اللازم لامتنا".
وأضاف ان "الحكومة تطبق وستطبق باكبر حزم ممكن القوانين التي صوتنا عليها والتي تعطي القضاء والمديريات وقوى الامن القدرة على التحرك ويعززها تمديد وتشديد حال الطوارئ".
ورأى ان "هذه الحرب ستكون طويلة. المستهدف هو ديموقراطيتنا. هي الهدف وستكون درعنا". ودعا الفرنسيين الى الاتحاد قائلاً: "هكذا سنربح الحرب ضد الحقد والتعصب. اؤكد لكم اننا سننتصر في هذه الحرب... في مواجهة هذا التهديد الذي لم يكن قط أكبر مما هو في فرنسا وأوروبا إن الحكومة عازمة بكل تأكيد (على هزيمة) الإرهاب".
والغى الرئيس الفرنسي للمرة الثانية زيارة كانت مقررة للجمهورية التشيكية للبحث في مرحلة ما بعد قرار بريطانيا الخروج من الاتحاد الاوروبي. وهذه الزيارة الغيت للمرة الأولى بعد اعتداء نيس الذي أوقع 84 قتيلاً في 14 تموز وتبناه "داعش".
واعتبر رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس انه "عبر مهاجمة كاهن في الكنيسة الكاثوليكية، نرى جيداً ما هو الهدف: تأليب الفرنسيين بعضهم ضد البعض ومهاجمة ديانة من أجل التسبب بحرب اديان".
وكما حصل بعد اعتداء نيس، سارعت المعارضة من اليمين الى مهاجمة الحكومة الاشتراكية بعد الاعتداء على الكنيسة، متهمة اياها بالتراخي وعدم الكفاية في عملية مكافحة الارهاب.
ونددت زعيمة الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة مارين لوبن في حسابها بموقع "تويتر" للتواصل الاجتماعي بـ"كل الذين يحكموننا منذ ثلاثين سنة".

البيت الأبيض
وفي واشنطن، قال الناطق باسم مجلس الامن القومي الاميركي نيد برايس في بيان: "ان لدى فرنسا والولايات المتحدة التزاماً مشتركاً لحماية الحرية الدينية لكل الاديان، والعنف الذي وقع اليوم لن يزعزع هذا الالتزام".
وأضاف ان "الولايات المتحدة تدين باشد العبارات الهجوم الارهابي المروع الذي وقع اليوم في كنيسة كاثوليكية في النورماندي بفرنسا... نحن نشيد بسرعة تحرك السلطات الفرنسية وردها الحازم ونبقى على استعداد لمساعدتها في تحقيقها".