بين الانقلاب والانقلاب المضاد اللذين يكادان يغيران وجه تركيا بسرعة لافتة، تبرز ظواهر غريبة في بلد طالما تغنى بأنه يمثل الوجه الحداثي للاسلام ويتطلع بحماسة كبيرة إلى عضوية الاتحاد الأوروبي. ولا تقتصر هذه الظواهر على أخبار التعذيب والتنكيل بالانقلابيين الحقيقيين والمفترضين التي أحصتها منظمة "هيومان رايتس ووتش"، ولا على سيناريوات الصحف الرسمية عن اعترافات الانقلابيين ومؤامرة، فشلت أصلاً، نسجت خيوطها في أميركا ونفذتها "السي آي إي" ومولتها بملياري دولار عبر نيجيريا، وإنما تتعداها إلى ظواهر "غير دنيوية" تطرح اسئلة وتثير بعضاً من قلق في آن واحد.
تبدو لافتة تلك الظواهر الغريبة العجيبة التي ترافق الانقلاب المضاد في تركيا. فعندما يطل عمدة أنقرة مليح غوكشيك في حديث تلفزيوني ليقول إن الداعية فتح الله غولن المتهم الأول بالوقوف وراء محاولة الانقلاب، يستخدم"الجن لاستعباد الناس" يصير التساؤل مشروعاً عما اذا كانت تركيا ستخرج سليمة من الاعصار الذي يضريها.
كلام العمدة جاء رداً على سؤال عن قدرة غولن على السيطرة على مثل هذا العدد الكبير من الناس الذين يُعتقلون منذ محاولة الانقلاب الفاشلة، فأجاب بأن الداعية يسيطر على الناس باستخدام الجن، وأن الكثير من الناس استُعبدوا في أوقات سابقة وأنقذوا لاحقاً.
وإذا كان العمدة، حليف أردوغان، وحده من يؤمن بالقدرات الخارقة لغولن، فلا يبقى غريباً أن يؤمن أتباع الداعية الاسلامية بذلك أيضاً. ففي مقال له في صحيفة "النيويورك تايمس" كتب الصحافي التركي مصطفى أكيول أن أنصار غولن لا ينظرون إليه بصفته رجل دين متعلماً فحسب، كما يزعمون في العلن، وإنما يعتبرونه "المنتظر". وأضاف أكيول أنه المهدي، الذي سينقذ العالم الإسلامي، وفي النهاية العالم كله. ويعتقد الكثير من أتباع غولن أنه يرى النبي محمد في أحلامه ويتلقى أوامر منه!.
وليست أقل غرابة من أقوال العمدة ومعتقدات أنصار غولن تلك الصلاة التي رفعها إمام في تشييع إحدى ضحايا الانقلاب، اذ قال: "نجّنا إلهي من كل خبث، وخصوصا خبث المتعلمين"، في إشارة إلى أتباع غولن. ويخشى أن يكون أردوغان نفسه يساعد في تحقيق هذا الدعاء لحماية نفسه من المتعلمين بإقفاله أكثر من مئة مدرسة وسحب شهادات 21 ألف مدرّس وطرد 15 ألف موظف من السلك التعليمي وطلبه من 1600 عمدة الاستقالة من الجامعات الخاصة والرسمية، فضلاً عن منعه أكاديميين أتراك من السفر.
وكان أردوغان نفسه هو أول من أضفى على الانقلاب صفات خارقة، عندما اعتبره في رد فعل أول "هدية من الله". وفي ظل هذه الحال التي وصلت إليها تركيا بعد أقل من أسبوعين، يبدو أن الله وحده سيكون قادراً على إنقاذها!
موناليزا فريحة