المظاهر الباذخة غابت عن قمة نواكشوط. لا ثريات، ولا ازهار، ولا سيارات فارهة. القمة تحت خيمة، وقد تكون المظهر الاكثر دقة لاحوال العرب في المرحلة الراهنة...
في العاصمة الموريتانية، الزعماء الذين حضروا كانوا قلائل، سكان المدينة توزعوا بين الفضول واللامبالاة. للمرة الاولى تستضيف نواكشوط قمة سياسية، ولكن لا شيء يمكن ان يتغير، الاجترار السياسي، واللغوي، اياه، واوراق اضافية الى الخزائن.
لبنان الغائب الحاضر. اللافت ان وزير خارجية الكويت الشيخ صباح خالد الحمد الصباح هو من دعا الى تضمين البيان الختامي نصاً حول دعم لبنان، وسؤال ما اذا كان السعوديون قد تخلوا عن لبنان؟
عتب سعودي، بل غضب سعودي، على افرقاء لبنانيين، حلفاء لها لانهم لا يواجهون «حزب الله» على قاعدة الصاع صاعين، دون الاقتناع باسلوب «الراجمات التلفزيونية».
بطبيعة الحال، هناك في المملكة الكثير من الحكماء الذين يدركون مدى قابلية لبنان للانكسار، بل وللانفجار، وكان لهم الدور الكبير في ضبط الايقاع الداخلي، بدءاً من تسمية الرئىس تمام سلام، لتشكيل الحكومة الانتقالية التي كانوا يعرفون انها ستمكث طويلاً، وانتهاء بالقبول بعقد جلسات الحوار بين تيار المستقبل و«حزب الله».
غير ان التراشق الاعلامي بين الرياض وحارة حريك هو في تصاعد مستمر، ودون ان تتوقف المسألة عند حدود التراشق، بل ثمة اجراءات، وضغوط، الى درجة الاقتناع بأن اللوبي السعودي في الولايات المتحدة انفق مليارات الدولارات من اجل تمرير قانون العقوبات في الكونغرس، وبتلك السرعة القياسية، لزعزعة القاعدة الشعبية للحزب ودفعه الى ازمة مالية قاتلة.
جماعة سعودية غير راضية لا على اداء الرئيس سعد الحريري، ولا على اداء الآخرين الذين اذ يتهمون الحزب بتعطيل الاستحقاق الرئاسي، لا يفعلون شيئاً لكسر هذا التعطيل، واذ يتهمون الحزب بالسيطرة على مفاصل الدولة يكتفون بالشكوى التلفزيونية لا اكثر ولا أقل.
لا بل ان قيادات في تيار المستقبل اذ تتحدث عن «سلوك سعودي مثير للانتباه» في ما يتعلق بقضية «سعودي اوجيه»، ترى ان مواجهة الحزب بالسلاح «غير واردة عندنا على الاطلاق، لاننا لا نريد حزب الله»، لتضيف ان من الطبيعي ان يكون هناك خلل في التوازن السياسي ما دام البعض يحمل السلاح والبعض الآخر بعيد عن ثقافة السلاح.
شيء ما يوصف بـ«الغريب» او «المستغرب» بين السعودية وتيار المستقبل. الغاز تحيط بالوضع السياسي كما بالوضع المالي لـ«الشيخ سعد»، ليترافق ذلك مع كلام عن حل الازمة السياسية والازمة المالية في وقت قريب.
في اجتماع وزراء الخارجية العرب لم «يهضم» البعض مواقف لبنان، لا سيما في ما يتعلق بتصنيف «حزب الله» منظمة ارهابية، يفترض بسلام ان يقف في القمة ويكون اول الموقعين على قرار التصنيف، ولا مشكلة ان وجد ان طريق المطار وقد اقفل بالاطارات المشتعلة، او ان يجد استقالة وزراء على طاولته، وبالصورة التي تحمله على التنحي تلقائياً عن منصب رئيس الوزراء.
اجواء القمة كانت عصبية وضاغطة، ليس لان كل مظاهر الرفاه قد غابت، وهذا ما اضفى ظلالاً كئيبة على المشهد، وليس لان معظم القادة لم يشاركوا بعدما كانت هناك تحذيرات من ان الامن الموريتاني ليس من الحرفية بحيث يستطيع التصدي لعملية ارهابية كبيرة، مع ان «فرقاً» من رجال الاستخبارات المتعددي الجنسيات انتشرت من مطار نواكشوط وحتى مقر انعقاد القمة. ثمة اسباب اخرى تتعلق بـ«صدمة البعض» من «هشاشة الاصطفاف».
سلام كان يدرك كل هذا، وكان يعلم لماذا تخلى الوزراء علي حسن خليل ووائل ابو فاعور وجبران باسيل عن الرحلة الشاقة الى موريتانيا. الاهم انه يدرك مدى الخطر الوجودي، والبنيوي للنزوح السوري على لبنان، وكان لا بد ان يقرع ناقوس الخطر امام القمة بعدما تجاهل وزراء الخارجية او ممثلوهم الاشارة الى دعم لبنان في مواجهة تلك الكارثة...
ـ تجميد عضوية لبنان ـ
لا بل ان ديبلوماسياً عربياً قال لـ«الديار» ان ممثل احد الوزراء لم يتورع عن الدعوة الى تجميد عضوية لبنان في جامعة الدول العربية.
وفي الوسط السياسي ان القضية ليست في استقالة الحكومة او عدمها. لم يعد خفياً ان الفرنسيين واوروبيين آخرين، حذروا دولاً عربية فاعلة من ان الانتشار الفوضوي، والكثيف، للنازحين السوريين يهدد لبنان بوجوده...
هؤلاء لا يغفلون البتة الجانب الاخلاقي والانساني، وحتى الاخوي من القضية، ولكن هناك وقائع على الارض ولا يمكن تجاوزها في حال من الاحوال، اذ كيف للبنان بتصدعه الداخلي، وبدينه العام الذي يناهر الـ80 مليار دولار، وبتدهوره الاقتصادي ان يتحمل عبء مليوني نازح ولاجىء سوري وفلسطيني بمساعدات خارجية لا تكفي لتغطية ما بين ربع وثلث تكلفة الاعباء الضاغطة على المشهد اللبناني.
سلام قال في نواكشوط ما يفترض ان يقال. وفود كانت في مكان آخر، وتراهن على ان يكون النازحون السوريون الذين يستطيعون تجنيد مائة الف شاب عندما يدق النفير القوة الضاربة التي تواجه «حزب الله».
ـ الفيتوات الفلسطينية ـ
بطبيعة الحال، الاكثرية الساحقة من النازحين بعيدة جداً عن اي تفكير من هذا القبيل، ولكن ماذا فعلت السياسات العشوائية، وحيث وضع اللاجئون في غيتوات البؤس، بالكتلة الفلسطينية؟ الم يصبح ياسر عرفات الرجل الاول في لبنان، الذي يتحكم بالسياسات، والذي يتدخل حتى في اختيار رئىس الجمهورية، وفي تشكيل الحكومات؟
لا بل ان هناك جماعة سياسية تعتبر ان النزوح السوري اشد خطراً بكثير من اللجوء الفلسطيني لان التواصل بين لبنان وسوريا تواصل طبيعي، ومن خلاله يمكن اعداد السيناريوات التي يمكن ان تهدد لبنان.
البعض يأخذ بلدة عرسال مثالاً. كان هناك فريق لبناني يعتبر ان البلدة ستكون بمثابة منصة انطلاق باتجاه الداخل السوري لتقويض نظام دمشق، اين هي عرسال الآن، وما هو مصيرها؟
سلام قال للعرب ان «هناك ما يقارب مليوناً ونصف مليون نازح سوري في بلد ذي امكانات محدودة، اقفلت الحرب حدوده، وانقطع التواصل التجاري البري بينه وبين الرئة العربية التي يتنفس منها»، ليضيف «نحن بلد صغير يؤدي واجبه الاخوي بلا منّة، ترفده مساعدات دولية ما زالت قاصرة عن تلبية حاجات النازحين والمجتمع المضيف».
ـ هيئة عربية لاعادة النازحين ـ
لبنان اقترح «تشكيل هيئة عربية تعمل على بلورة فكرة انشاء مناطق اقامة للنازحين داخل الاراضي السورية، واقناع المجتمع الدولي بها لأن رعاية السوريين في ارضهم اقل كلفة على دول الجوار وعلى الجهات المانحة، وافضل طريقة لوقف جريمة تشتيت الشعب السوري».
رئيس الحكومة رأى انه «في انتظار ذلك، ندعو الى انشاء صندوق عربي لتعزيز قدرة المضيفين على الصمود وتحسين شروط اقامة النازحين الموقتة». واكد «اننا لسنا محايدين في كل ما يمس الامن القومي لاشقائنا، وخصوصاً دول مجلس التعاون الخليجي، ونرفض اي تدخل في شؤون البلدان العربية، ومحاولة فرض وقائع سياسية فيها تحت اي عنوان كان».
الاسلوب اللبناني في مقاربة حقول الالغام معروف للعرب، المقصود ايران بطبيعة الحال ودورها في سوريا والعراق واليمن، لا بل ان قوى 14 آذار توجه اليها الاتهام مباشرة بتعطيل الاستحقاق الرئاسي لاستخدام لبنان عندما تدق ساعة الصفقات كورقة تكتيكية على الطاولة.
هذه القوى تعتبر ان حالة اللادولة في لبنان تؤمن التغطية لـ«حزب الله»، كما انها لا تملك اي امكانية للحيلولة دون الحزب والذهاب الى العمق السوري...
ـ الشبح الايراني ـ
شبح ايران (وحزب الله) في قمة نواكشوط كان اكثر حضوراً، وتأثيرا من شبح الخليفة ابي بكر البغدادي، ولكن ما تردده مصادر ديبلوماسية خليجية حول المأزق الذي تواجهه السعودية بسبب تلك الحرب العبثية في التضاريس القبلية والسياسية والجغرافية لليمن، وحول المراوحة على الساحة السورية، والفوضى المتعددة الوجوه في العراق، يشير الى أن المأزق الايراني لا يقل تعقيداً بسقوط القوس الجيوستراتيجي الذي كان يمتد من خراسان الى شاطىء لبنان بحسب ما كتبه الجنرال ماكسويل تايل عشية الاجتياح الاسرائيلي للبنان في صيف 1982. الايرانيون في قعر الزجاجة ايضاً.
السعوديون يعتبرون انه لو كان هناك موقف عربي حقيقي لكان باستطاعة التحالف دفع الايرانيين الى ما وراء الهضبة. قمة نواكشوط كانت قمة الصدمة. لا استراتيجية مشتركة، ولا رؤية مشتركة. وأحد اعضاء الوفود لم يتردد في التعليق ساخراً، بـ«ان الدبابات هنا تمشي على الورق».
ـ قمة التقشف ـ
قمة التقشف في القمة العربية. القادة داخل خيمة لا توحي الوانها بالتفاؤل. الصحافيون المصريون الذين غطوا اعمال القمة كانوا يتبادلون التعازي بالعرب «الموت سياسياً»، اذ فيما تنهار دول عربية ثلاث، او هي انهارت فعلاً، ودون ان تتوقف لعبة الدومينو عند هذا الحد، لا وجود لأي استراتيجية للمواجهة او للانكفاء.
التقشف ايضاً في نوعية القرارات. وكان السعوديون الذين يقودون الجامعة العربية يأملون بخطوات الى الامام تمهد لعمل عربي مشترك في سوريا بعدما دخل الحليف التركي في حالة من الهذيان الداخلي البعيد المدى...
عملية عسكرية في الوقت الاميركي الضائع وللضغط على روسيا والى حد اجتثاث اي وجود لها في سوريا وعلى غرار ما حدث في افغانستان، التصعيد نحو سوريا، ولكن ليس الى حد الوعد بالنصر بعدما بدا ان كلمة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير لم تكن نارية بما فيه الكفاية.
ـ عين الحلوة ـ
على صعيد الامن اللبناني، ذكرت مصادر معنية «ان العديد من الخطط التي تم فضحها لمجموعات ارهابية اخيراً هدفها تحويل مخيم عين الحلوة الى ملجأ لعناصرها حتى ولو اضطرت الى محاربة الجيش اللبناني». وكانت المصادر اياها قد اشارت الى ان تنظيم «داعش» و«جبهة النصرة» يعدان لتهجير ابناء المخيم، وتحويله الى منطقة عسكرية ذات حساسية جغرافية استثنائية.
وتوقفت المصادر اياها عند ما بثته قناة «سير المعارك» التي نشرت خارطتين للمخيم، واذ اشارت الى خطة «الجيش الصليبي» في معركة عبرا في حزيران 2013، قالت القناة «ان اهم هدف يجب ان يركز عليه الاخوة في المخيم هو قطع طريق الجنوب ممر الروافض».
ولفتت الى المربعات السوداء في احدى الخريطتين، «وهذه الخطوة ستكون بمثابة قطع رقبة الحزب، وورقة ضغط لا مثيل لها. الجنوب سيرتبك، حتى وان قطع الطريق بمجرد قناصات ترصد وتضرب او مجموعات صغيرة تضرب وتهرب».
وتبعاً لما اوردته القناة، فان «الخطوة الابرز تكون بفرز مجموعات صغيرة وظيفتها ضرب الجيش خارج المخيم لاشغاله وارباكه، ولا بد من الانتشار في مناطق خارج المخيم».
التعليمات تتطرق الى كل التفاصيل. وفي هذا الصدد يقول قيادي فلسطيني في عين الحلوة لـ«الديار»: «ان اجراءات تتخذ وستتخذ اجراءات اضافية، ليس فقط لتقليم اظافر العناصر الارهابية في المخيم وانما لقطع ايديها».
القيادي يقر بأن الجيش اللبناني هدد بتدابير على الارض، فكان الاستسلام التدريجي للمتوارين، وبينهم «ابو العبد»، شقيق الفنان المعتزل فضل شاكر الذي تقول جهات وثيقة الاطلاع في المخيم انه في وضع يوحي بأنه على وشك الانتحار او الاستسلام.
الديار : ما هو «الشيء الغريب» في العلاقة بين الرياض والحريري ؟
الديار : ما هو «الشيء الغريب» في العلاقة بين الرياض...لبنان الجديد
NewLebanon
|
عدد القراء:
573
مقالات ذات صلة
الجمهورية : السلطة تحاول التقاط أنفاسها... والموازنة تفقدها...
الاخبار : السفير الروسي: الأميركيّون يهيّئون لفوضى في...
اللواء : باسيل يتوعَّد السياسيِّين.. ورعد...
الجمهورية : مجلس الوزراء للموازنة اليوم وللتعيينات غداً.....
الاخبار : الحريري بدأ جولة...
اللواء : هل يستجيب عون لطلب تأجيل جلسة المادة...
ارسل تعليقك على هذا المقال
إن المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس بـالضرورة سياسة الموقع
© 2018 All Rights Reserved |
Powered & Designed By Asmar Pro