فاز الملياردير الأميركي دونالد ترامب رسمياً بترشيح الحزب الجمهوري لخوض انتخابات الرئاسة الأميركية المقرر إجراؤها في تشرين الثاني المقبل. ولكنَّ ما يغيب عن كثرٍ أنَّ ترامب قد عيَّن في شهر حزيران الماضي بول مانافور مديراً لحملته ومتحدثاً باسمه، وهو الخبير في مهنة الاستشارات المرموقة.
من هو مانافور؟
بول مانافور مستشار سياسي أميركي ولدَ عام 1949، وعمل ضمن جماعات الضغط الأميركي. موهبته أتاحت له العمل كمستشارٍ لحملات الرئاسة للجمهوريين من بينهم جيرالد فورد، ورونالد ريغان، وجورج بوش الأب، وبوب دول، وجورج دبليو بوش، وجون ماكين. وساهم مانافور في فوز ثلاثة من رؤساء الولايات المتحدة الأميركية، جيرالد فورد في عام 1976، رونالد ريغان في عام 1980 وجورج بوش الأب في عام 1988. ولكن خلف نجاحاته، لهذا الرجل خلافات قضائية جمَّة. العقل المدبر لدونالد ترامب له علاقات مع رجل الأعمال وتاجر الأسلحة اللبناني زياد تقي الدين، وفقاً لخبر نشره موقع mediapart ونقله موقع lepoint الفرنسي إذ يشتبه في توقيعه عقداً وهمياً مع تقي الدين ورجل آخر يدعى عبد الرحمن عسير.
وكان الهدف من هذه المناورة الإفراج عن الأموال التي صادرتها الجمارك في حزيران من العام 1993 لزياد تقي الدين من أحد البنوك في جنيف. وقد اكتشفت الشرطة 500 ألف فرنك كانت موضوعة في كيس من البلاستيك ومخبأة تحت مقعد سيارة تقي الدين. هنا، تدخَّل مانافور كما يقول mediapart، ساعياً لتبرير أصل هذا المبلغ، في حين ناشد تقي الدين جماعات الضغط الأميركية لتمرير صفقة الأسلحة الوهمية مع شركته.
عقود كاذبة
هذه كانت بداية التعاون في ما بينهما حيث تلقى مانافور مبالغ كبيرة من المال في حسابات مصرفية مختلفة، ولسنوات عدة. الوثيقة التي حصل عليها موقع التحقيق mediapart يظهر عليها توقيعي مانافور وتقي الدين بتاريخ 7 تشرين الأول من العام 1993، مقابل رسوم مالية تبلغ قيمتها 1.6 مليون فرنك. إضافة إلى هذه الشكوك الخطيرة تضاف تلك المتعلقة باستطلاعات الفواتير غير الضرورية خلال حملة الانتخابات الرئاسية لعام 1995. كما أوضح mediapart أن مدير حملة ترامب لم يبذل جهداً لإخبار فريق الحملة بإجراء مسحين يتعلقان بترشح ترامب. هذه المعلومات لا تخدمُ ترامب بتاتاً الذي بدا أن لا حاجة لتصدره مجدداً عناوين الصحف.
تقي الدين لغزٌ شائك!
انتشر اسم زياد تقي الدين في قضايا شائكة عدَّة منها التحقيق في اعتداء كراتشي الحافل بالأفخاخ. اتهمه القضاء الفرنسي في 2011 باستغلال أموال عامة، وتزوير شهادات، وأضيفت إليها في عام 2012 تهمة تبييض أموال.
برز اسم تقي الدين عقب هجوم مروع في 8 أيار 2002 قتل فيه 11 موظفاً فرنسياً وهم جميعهم عاملون في إدارة الصناعات البحرية الفرنسية. اتهم تقي الدين كطرف أساسي في عقد تسلح كان قد تم توقيعه بين فرنسا وباكستان. في حين نفى، بحسب محاميه، أن يكون قد اضطلع بدور في العقد الذي يحمل اسم "آغوستا"، والتي باعت فيها فرنسا الغواصات الثلاث إلى إسلام آباد أو أن يكون قد قبض أي عمولة من العقد المذكور. هذا الأمر دفع بالقضاء الفرنسي إلى فتح تحقيق في ما بات يُعرف بـ "قضية كراتشي" التي شكلت فضيحة في شأن تمويل غامض للحملة الرئاسية لرئيس الوزراء الفرنسي سابقاً إدوار بالادور عام 1995 من خلال عمولات مفترضة على خلفية صفقات أسلحة مع باكستان شملت غواصة "آغوستا".
أما في 28 نيسان من العام 2012، وقبل أيام من الدورة الثانية للانتخابات الرئاسية، انتشرت وثيقة نسبت إلى مسؤول ليبي سابق أكد فيها أنَّ تمويل الحملة الانتخابية لنيكولا ساركوزي عام 2007 مصدرها الزعيم الليبي السابق معمر القذافي بمبلغ قدره 50 مليون أورو. وكانت النيابة العامة وسعت التحقيق في كانون الثاني للاستماع إلى تقي الدين الذي أكد أنه يملك أدلة على تمويل ليبيا لحملة ساركوزي. ويومها أقرَّ تقي الدين بعقده عدداً من اللقاءات قبيل الانتخابات الرئاسية الفرنسية عام 2007 بين بشير صالح، الذي كان السكرتير الخاص للقذافي، وكلود غيان الذي كان آنذاك مدير مكتب ساركوزي، الذي كان يرأس وزارة الداخلية حينها.
في عام 2013 أوقف تقي الدين على أيدي رجال شرطة اشتبهوا في سعيه للهرب من فرنسا، كما فُتش منزله في باريس. وجاء في خبرٍ نشرته صحيفة " النهار" نقلاً عن "أ.ف.ب" حينها أنَّ تقي الدين الذي يخضع لرقابة قضائية مشددة في فرنسا تحظر عليه مغادرة البلاد، حصل على جواز سفر ديبلوماسي من جمهورية الدومينيكان. ونشر موقع "ميديابار" الإخباري في شبكة الإنترنت صورة للجواز، مؤكداً أنه مزور ودفع تقي الدين ثمناً له 200 ألف أورو. في شباط 2014، أمر القضاء الفرنسي بالإفراج عن تقي الدين الذي يعتبر الشخصية الأساسية في "قضية كراتشي"، ولكنَّ محكمة استئناف باريس أكَّدت أنَّ تقي الدين سيبقى خاضعاً لرقابة قضائية صارمة تمنعه من مغادرة الأراضي الفرنسية.
وبعد مرور عامين على خروجه من السجن يبدو أنَّ تقي الدين عاود نشاطاته وسيطرح خبر تعامله مع المتحدث باسم دونالد ترامب أسئلةً شائكة عدَّة قد لا نجد لها إجابات شافية.