للوهلة الأولى، ظننت أن هذا يحصل في بلدة سورية أو عراقية يحكمها "داعش" التكفيري الإرهابي. ترددت في الكتابة قبل تأكيد الخبر، فيما لا يزال قرار بلدية جبشيت في محافظة النبطية بمنع الاختلاط يثير ردود فعل وسجالات. وعندما اتصلت بناشطين من بلدة الخيام وعدد من المعنيين في نشاطات واحتفالات ومهرجانات في المنطقة، جاء من يؤكد الخبر: رئيس بلدية الخيام علي العبدالله المعين حديثاً على راس البلدية المؤلفة من 21 عضواً أعطى تعليماته بوضوح وبخلفية شرعية بعدم السماح بتسجيل السيدات والفتيات في البلدية للمشاركة بسباق جمعية "حرمون ماراثون" في رعاية وحضور وزير الشباب والرياضة عبد المطلب حناوي والذي ينظم في منطقة سوق الخان في حاصبيا.
المفارقة أن تعليمات رئيس البلدية قضت بتسجيل الذكور فقط للمشاركة، وذلك على رغم تحفظ عدد من الأعضاء الذين لا يقررون في شأن من هذا النوع وغيره من القضايا، باعتبار أن قرارات البلدية وتسيير شؤونها تأتي من مرجعية سياسية طائفية، علماً أن "حزب الله" هو الذي يسيطر على البلدية، بالتنسيق مع "حركة أمل" غير المقررة فعلاً وان كان لها أعضاء في المجلس المؤلف من 21 عضواً.
لم تخرج أصوات معترضة على قرار رئيس البلدية، إذ أن الامر لم يعمم، لكن ذلك يؤشر الى منحى مختلف في التعامل مع بلدة بوزن بلدة الخيام التي تعد أكثر من 45 ألف نسمة، وفيها 19 ألف ناخب، لم يقترع منهم في الانتخابات البلدية الأخيرة أكثر من 4500 شخص، وهي انتخابات رافقتها ضغوط كبيرة على أسماء وعائلات لتنسحب من اللائحة المعارضة "الخيام مدينتي"، بالإضافة الى أن بلدية الخيام هي بلدية ذكورية بامتياز، حيث لا تتمثل المرأة فيها ولا في لجانها، فيما يطبق"الثنائي الشيعي" عليها سياسياً .
ولعل قرار رئيس بلدية الخيام الجديد، المباشر، والذي يؤسس لمنع الاختلاط في بلدة لها تاريخ طويل في الثقافة، ومنها خرج شعراء وكتّاب وشخصيات مشهود لها بالانفتاح، وهي البلدة المختلطة في الأساس بين الغالبية الشيعية والأقلية المسيحية التي ما زالت حاضرة في البلدة، سيكون له ارتدادات على مستقبل البلدة، والتي يسعى البعض الى جعلها قاعدة سياسية شرعية لتوجهاته، ان كان على مستوى التعليم والتعبئة. والمفارقة أن رئيسي بلدية الخيام السابقين عباس عواضة وعلي زريق، كانا محسوبين مباشرة على "حزب الله" فيما الرئيس الجديد على العبدالله يعتبر وسطياً، لكنه يلتزم بقرارات خارجية أكثر من اي رئيس بلدية سابق، التزاماً بتوجهات حزبية تريد القول أن الخيام باتت بلدة تابعة أو تؤيد "حزب الله" بالمطلق، وهو ما أنتجه استفتاء الانتخابات البلدية الاخيرةلخيارات الطرف الاقوى في الطائفة الشيعية.
يطرح الأمر علامات استفهام كثيرة حول القرارات البلدية في الخيام، وهي بدأت تظهر وكأنها قرارات شرعية سياسية، تقررها قوى بإملاءاتها وفق ما ترى في مستقبل هذه البلدة. وهذا يعني منع التنوع، والذي كان ظهر سابقاً في قرارات غير معلنة بمنع إقامة الحفلات والمهرجانات والنشاطات، غير التي تقررها البلدية وفقا للتوجه الشرعي السياسي.
اللافت في قرار رئيس البلدية أنه يسمح للشبان الخياميين بالمشاركة بسباق مختلط ويحول دون السماح للشابات الخياميات بالمشاركة في السباق ذاته. انه مؤشر سيء يضع بلدة الخيام على خط التزمت الشرعي، بقرارات وفتاوى داعشية، وهي لن تمر طالما أن في هذه البلدة نبضا مدنيا تاريخيا. يترحم بعض أبناء البلدة على تاريخ مضى، ومنعم من قال، رحم الله الدكتور شكرالله كرم رئيس البلدية عام 1959، المسيحي الذي اختارته الغالبية الشيعية، تأكيداً للتنوع ورفضاً لكل الإملاءات والضغوط.
النهار