لي صديق إيراني ظننته لبنانيّاً يوم تعرّفت عليه قبل ربع قرن أو أكثر. كان ولا يزال يتعاطى الشأن العام غير المباشر في لبنان وحيث يوجد مسلمون في العالم. اهتماماته دينيّة وسياسيّة في آن واحد. سمّيته من زمان "ابن بطوطة" لكثرة أسفاره وتجواله ولتنوّع علاقاته. لكنّه أينما حل كان إيرانياً إسلاميّاً متمسّكاً بأهداف "جمهوريته".
اتّصل بي هاتفيّاً على جاري عادته وبدا أنه قرأ "الموقف" الذي تناول إيران في النصف الثاني من الأسبوع الماضي. ناقشني في قضايا تطرّقت إليها وفي أخرى تجاهلتها محاولاً بذلك تغيير بعض الإستنتاجات التي تتعلّق بقدرة بلاده على تحقيق أهدافها في المنطقة.
قرّرت بعد الاتصال طرح ما أثار هذا الصديق العتيق والدائم إيماناً منّي بمقولة: "صديقك من صَدَقك لا من صدّقك"، وكانت الدافع الأقوى لنصح القيادة العليا الايرانية بإجراء مراجعة لاستراتيجيّتها والسياسات التطبيقيّة لها وخصوصاً بعدما تحوّل الربيع العربي عاصفاً - دامياً في سوريا، وبعد انتشار التطرّف والتشدّد الإسلاميّين والتكفير والارهاب اللذين رافقاهما.
في اختصار، تناولت النقطة الأولى التي أثارها الصديق التغييرات التي حصلت أخيراً مثل "تصالح" تركيا أردوغان وروسيا بوتين والخلافات التي بدأت بين الأولى وأوروبا وأميركا بعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي جرت فيها. فهو اعتبر أنها ستعزّز صداقة تركيا وإيران وتعاونهما التجاري والاقتصادي ورفضهما الاقتتال، وأنها ستقرِّب أنقرة أكثر إلى موسكو وإلى سياستها الشرق الأوسطيّة بل السورية، كما قد تبعدها عن أميركا وأوروبا وحلف شمال الأطلسي الذي يجمعها.
وتناولت النقطة الثانية اعتبار الغرب الأميركي والأوروبي بعد طول ممانعة أن الأولوية لم تعد للتخلّص من الرئيس السوري بشار الأسد ونظامه بل من تنظيم "داعش" وسائر المنظّمات الإرهابيّة في العالم. ويعني ذلك أن التفاهم مع "الرئيس" و"النظام" صار ممكناً وخصوصاً بعد التقارب المفترض التركي – الإيراني – الروسي. وفي هذا الإطار شبّه الصديق العتيق والدائم ما سيحصل مع أسد سوريا بما حصل مع صدام العراق بعد تحرير الكويت من احتلال قواته لها. ففي أثناء التحرير الذي لم يستغرق وقتاً طويلاً انتفض شيعة العراق وسنّته وأكراده ونصف العاصمة بغداد. لكن موقف رئيس أميركا جورج بوش الأب غيّر كل شيء "بتضامنه" مع صدام حسين الأمر الذي مكّنه من إنهاء المنتفضين. وأمر كهذا يمكن أن يحصل في سوريا إذا تكرّست أولويّة الإرهاب على الأسد عند أميركا وأوروباً وروسيا وتركيا وإيران. وتناولت النقطة الثالثة علاقة المملكة العربية السعوديّة بالولايات المتحدة بالإشارة إلى أنها ليست بالجودة التي كانت عليها أيام مليكها عبدالله بن عبد العزيز وخصوصاً في سنواته الأخيرة، وذلك رغم البيانات والتصريحات الرسمية التي أكدت فيها الدولتان تاريخيّة تحالفهما واستمراره. فالأولى شنّت الحرب المباشرة على اليمن من دون موافقة أميركا وإعلامها رسميّاً، علماً أنها قد تكون علمت ذلك بوسائلها المباشرة. وقبل ذلك تدخّلت عسكريّاً في البحرين من دون علم أميركا وموافقتها ولا تزال تحميها رغم تكرار أميركا رفضها التدخّل المذكور. والجو الإعلامي والشعبي في الولايات المتحدة لا تزال عنده شكوك في دور سعودي ما في إرهاب "القاعدة" القديم والمستمر وفي إرهاب "داعش".
وتناولت النقطة الرابعة العلاقة السعوديّة – الإيرانيّة وحاول الصديق نفسه تصويرها مقبولة أيّام الملك عبدالله والإيحاء أن تردّيها تسبّب به خلفه الملك سلمان وولي ولي عهده. ففي أيام الأول زار الرئيس الإيراني السابق هاشمي رفسنجاني المملكة وصلّى معه في مسجد واحد وسمع كلاماً "غير ودّي" من خطّيبه فاعتذر مضيفه منه. ردّ بالقول: نحن أيضاً عندنا من هؤلاء الكثير. وطلب خاتمي في أثناء رئاسته أن يخطب في "المسجد الحرام" فاعتذر عبدالله بالقول إن الأمر في يد المرجعيّة الدينيّة. وكان لا يريد أن يرسي سابقة. وفي أيام عبدالله أيضاً سمحت السلطات المعنيّة، وبعد تدخّل سفير إيران في المملكة بطلب من طهران، بهبوط طائرة حجاج (عمرة) في الأيام التي تتوّقف فيها حركة الطيران بأمر رسمي لأيّام. وانطلق الصديق من ذلك ليؤكّد أن السعوديّة حاولت احتواء إيران فرفضت وأن الأخيرة أقوى منها إقليميّاً، إذ لها مرتكزات في سوريا وا
انتصار إيران حتمي في نظر إيرانيّين!
انتصار إيران حتمي في نظر...سركيس نعوم
NewLebanon
مصدر:
النهار
|
عدد القراء:
1019
عناوين أخرى للكاتب
مقالات ذات صلة
ارسل تعليقك على هذا المقال
إن المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس بـالضرورة سياسة الموقع
© 2018 All Rights Reserved |
Powered & Designed By Asmar Pro