حتى الأميركيون الذين من المفترض أنهم يعرفون تاريخهم عن ظهر قلب، سيضيعون في مستنقعات شريط Free State of Jones المقتبس من وقائع تاريخية حقيقية والذي ينطلق من حرب المستنقعات التي شنها نيوت نايت قائد المقاومة ضد الجيش الكونفيدرالي والعبودية خلال الحرب الأهلية الأميركية عام 1864، ليمتد على مراحل ومحطات كثيرة أخرى وصولا الى عام 1948. محطات تشبه من يفلفش في كتاب تاريخ من دون التركيز على الترابط الزمني، وكان وقعها أفعل لو أن مخرج الفيلم وكاتب السيناريو غاري روس (Seabiscuit وHunger Games وPleasantville) اختار أن يقدمها في سلسلة تلفزيونية، بدل أن يحشرها كلها في شريط امتد بدوره على مدى ساعتين و20 دقيقة مرهقة ومملة في القسم الأخير خصوصا.
في القسم الأول نتابع حبكة مؤثرة تنطلق مع نيوت نايت المزارع البسيط من ميسيسيبي، الذي يعمل مسعفا للجيش الكونفيدرالي على جبهات الحرب المشتعلة، قبل أن يموت ابن شقيقه بين يديه. عندها يستيقظ حسّه الإنساني ويقرر الثورة والتمرد على حرب الأثرياء التي يخوضها الفقراء عنهم. مع مجموعة عبيد سود وجنود فارين يشكل مقاومة تتخذ من المستنقعات مركزا لها، وتحارب العبودية والعنصرية والفصل العرقي. وهكذا ينشئ نيوت ما يعرف بولاية جونز الحرة، أي منطقة مختلطة وخالية من العبودية حيث يعيش عليها مع زوجته البيضاء سيرينا (كيري راسل) وأولاده منها، إضافة إلى زوجته الثانية السوداء رايتشل (جوجو مباثا راو) التي ينجب منها ايضاً. هذا الطفل هو من ينقلنا من عام 1860 الى 1940، لنتابع محاكمة حفيده الذي تزوج من بيضاء رغم أن جده الأبيض تجري في عروقه دماء سوداء، وهو أمر لا يزال مرفوضا في مجتمع عنصري لم يتبدل فيه شيء رغم الحروب الكثيرة التي شنها نيوت قبل أكثر من 85 عاما.
التصوير واستعادة حقبة الحرب الأميركية ومعاركها ووحشيتها مقنع، والموضوعات المعالجة في هذه السيرة الذاتية الدامية التاريخية (العبودية والعنصرية والحرب والقيم الليبرالية حول المساواة تحديدا) مهمة رغم أنها لم تخل من نبرة وعظية سبق وقُدمت في أفلام كثيرة. بدوره أداء ماثيو ماكونهي جيد رغم مبالغة السيناريو في إضفاء النبوة والألوهة على هذه الشخصية التي لا تخطئ والتي تحرر العبيد وتعلم الأميين القراءة والأولاد كيفية استخدام السلاح. لكن هذا كله لم يكن كافيا لأسر انتباه الجمهور الذي شعر أنه يتابع محاضرة تثقيفية عن التاريخ الأميركي، مشتتة على جبهات عديدة كما هي حال الفيلم ويا للأسف، بدل أن يستمتع بحبكة متينة ومترابطة فيها قليل من التثقيف وكثير من الترفيه والانفعالات.
الفيلم حاليا في صالات غراند وامپير وڤوكس.
جوزفين حبشي