أعوذ بالله من الشيطان الرجيم الذي أبى وإستكبر وكان من الغاوين بعد خلق آدم،ولكنه قبل ذلك كان طاووس الملائكة وسيدها في الجنة، فعصى عن أمر ربه وخرج منها مذموماً مدحوراً، ورفع شعار غواية الخلق،لكي يُعرف الملاك من الشيطان..قصةٌ مستوحاة من كتابات "توفيق الحكيم" الشيطان الشهيد، فعندما دقَّت أجراس الكنائس ونواقيس الكاتدرائيات،وسرى رنينها في جسد "روما" في تلك اللحظة هبط المدينة شخصٌ غريبٌ يمشي نحو قصر الفاتيكان وهو يرهف السمع إلى تلك الأناجيل "العذراء تحبل وتلد إبناً" إسمه "يسوع" لأنه يخلِّص شعبه من خطاياهم...حتى بلغت تراتيل الأناجيل هذه الفقرة (قال له إبليس إن كنت إبن الله..فقل لهذا الحجر أن يصير خبزاً..فأجابه يسوع قائلاً: أن ليس بالخبز وحده يعيش الإنسان..) بل بكل كلمة تخرج من فم الله..فأخذه إبليس إلى جبلٍ عالٍ ،وأراه جميع ممالك العالم ومجدها،وقال له:أعطيك هذه كلها إن خررت وسجدت لي..حينئذٍ قال له يسوع: إذهب يا شيطان...إنه مكتوبٌ: "للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد"..
هنا إنطلق من الشخص الغريب زفرة وصاح في أعماق نفسه " ليتني أطعته في ذلك الحين".. وهنا قرَّر التوبة على يد "البابا" ودخل إلى القصر مطرقاً خاشعاً ، سيدي أريد أن أتوب وكفاني شروراً، هنا تعجَّب "البابا" ماذا تقول يا لعين..! لا يمكنك الدخول في حضرة الإيمان،لا تهزأ يا سيدي، أريد أن أعود إلى الصواب،عذبوني خذوا مني ما تريدون، لكن لا تحرموني من مذاق الخير للحظة..؟ وإنني أعلن إيماني وأصبح واحداً من المؤمنين الخيرين ،أليست المغفرة أمام المسيح هي للجميع على حدٍّ سواء، هنا وقع "البابا" في حيرةٍ وقال له: لا أستطيع لأنك محور "الكتاب المقدَّس" بعهده القديم والجديد، وإلاَّ فما معنى "الحساب" إذا محى الشر من الأرض..وهل يحاسب أتباع الشيطان الذين اتبعوه قبل إيمانه، أم تمحى سيئاتهم ما دامت توبة إبليس قد قُبِلت..وما مصير العالم وقد خلا من الشر..؟
إسمع يا....حتى إسمك بعد توبتك سيثير إشكالاً.. إذهب إلى دينٍ آخر،لأن الكنيسة ترفض طلبك...خرج هذا الغريب ، ولكنه لم يفقد الأمل من نعمة التوبة، يمَّمَ شطر "الحاخام" اليهودي وجرى معه ما جرى مع "البابا" وفكَّر "الحاخام" إذا قبل توبته "فيما التمييز بين شعبٍ وشعب" ونحن شعب الله المختار، وقال له: لا يمكن أن يدخل في ديانتنا الغير ، وحتى لو كان إبليس..؟ أخرج وأبحث عن دينٍ آخر...فخرج وفكَّر مليَّاً.. ولم يزل أمامه بصيص أمل، قاصداً "دين الإسلام" وذهب إلى الشيخ في الأزهر أو في النجف أو في قم، وقال يا حضرة الشيخ، أليس من حق الناس أن يدخلوا في دين الله أفواجاً..؟ أليس الله تعالى يقول: "فسبِّح بحمد ربك واستغفره إنه كان توَّاباً".. هنا فكَّر الشيخ وقال في نفسه: لو أسلم الشيطان فكيف يُتلى القرآن..وهل يمضي الناس في قولهم : "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" وكيف لي أن أقبل إسلامك وتوبتك من دون أن يمسَّ بذلك كيان الإسلام كله..
يا هذا.... لقد جئتني بأمرٍ فوق سلطتي ، وأعلى من قدرتي..لقد أخطأت في طلبك ، إبحث عن دينٍ آخرٍ..
إلى أين يا حضرة الشيخ..؟ألستم أنتم وكلاء ورؤساء الله..؟ فكيف لي أن أصل إلى الله..أليس عن طريقكم ..؟ هزَّ الشيخ رأسه، وهرش لحيته، نيتُك طيبة..لكن إختصاصي إعلاء كلمة الإسلام، وليس من إختصاصي أن أقبل توبتك، وأن أضع يدي في يدك..فخرج ولم يبقى له إلاَّ أن يطرق باب السماء، لكنه تفاجأ "بجبرائيل" وقال له "صه" لقد جئتَ متأخراً، وليس للرحمة والمغفرة أن يمسَّا نظام الخليقة..فهبط إلى الأرض وقال:(بحسب الرواية) "نزل السماء مذعناً، وهبط الأرض مستسلماً، ولكن زفرة مكتومة ، إنطلقت من صدره ، وهو يخترق الفضاء..رددت صداها النجوم والأجرام في عين الوقت ، كأنها إجتمعت كلها معها ، لتلتقط تلك الصرخة الدامية:
إني شهيد...إني شهيد...