ذاكرة العرب قصيرة للأسف، ما هي أسباب حرب تموز؟ لم تكن القضية تحرير الأسرى اللبنانيين كما زعم البعض، آنذاك كان الحديث الدولي دائرا حول العقوبات على إيران وليس مفاوضات إيران كما جرى في عهد أميركا أوباما.
أحيت وسائل الإعلام اللبنانية ذكرى حرب تموز التي مرّ عليها عقد من الزمن، سوّق ما يسمّى بحزب الله أنه انتصر في هذه الحرب، وكلامه صحيح، لكنه لم ينتصر على إسرائيل إنما على لبنان.
حين راجعنا الأرقام المتعلّقة بتلك الحرب، كل الأرقام أشارت لمصلحة إسرائيل، خسائرها الاقتصادية والبشرية والعسكرية أقلّ بكثير من خسائر لبنان، لكنّ المحلل العسكري إلياس حنا كان له توصيف طريف “خسرت إسرائيل لأنها لم تنتصر، وانتصر حزب الله لأنه لم يخسر”.
بعد مرور السنوات العشر لو وضعنا لبنان وإسرائيل تحت مجهر المقارنة فإن النتائج ستكون مؤسفة، في إسرائيل دولة آمنة بينما في لبنان دولة مشلولة ومعطلة، فمن انتصر ومن خسر؟ والمضحك المبكي أنّ ما يسمّى بحزب الله تفرّغ بعد تلك الحرب لحراسة الحدود الإسرائيلية ووجّه سلاحه ضد الدولة اللبنانية وضد سوريا والعراق واليمن والبحرين، انتهت العداوة بين حزب الله وبين إسرائيل، وانصبّ غضب الميليشيا الإيرانية على المملكة العربية السعودية.
بعد حرب تموز أصبح ما يسمّى بحزب الله يشبه إسرائيل أكثر من أيّ طرف آخر، فما مارسه حزب الله من قتل وتهجير وإرهاب وتعطيل ضد اللبنانيين والعرب فاق ما فعلته إسرائيل نفسها في فلسطين، لذلك ليس غريبا القول بأن الحزب الإلهي وسيدته الإيرانية أسوأ من الصهاينة، وهذه مذمة لإيران وميليشياتها لا ثناء لإسرائيل.
ذاكرة العرب قصيرة للأسف، ما هي أسباب حرب تموز؟ لم تكن القضية تحرير الأسرى اللبنانيين كما زعم البعض، آنذاك كان الحديث الدولي دائرا حول العقوبات على إيران وليس مفاوضات إيران كما جرى في عهد أميركا أوباما. وقبيل اجتماع دولي حاسم، قامت ميليشيا حزب الله الإيرانية بالمطلوب لتشتيت الحدث الدولي وتغيير مساره وتحسين أوراق التفاوض الإيرانية.
وكان اللبنانيون هم ضحايا ألعاب الجمهورية الإسلامية. ولا ننسى البعد الداخلي اللبناني، كانت القوى الاستقلالية تتمدد على حساب عملاء إيران وسوريا الأسد. وتعامل الممانعون مع ذلك بالاغتيالات وبالتفجيرات وبالتعطيل، وحين فشل كل ذلك جرّبوا إشعال الحرب.
كانت المملكة العربية السعودية عبر أعلى مرجعيّاتها طالبت أمين عام حزب الله بعدم إفساد الموسم السياحي اللبناني للتخفيف على اللبنانيين بعد تداعيات اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. وعد حزب الله بأخذ متاعب الشعب اللبناني في الاعتبار، لكنه -كالعادة- نكث بالوعد.
وهذه الأيام تقوم وسائل إعلام محور الممانعة، بالتشنيع على المملكة العربية السعودية وعلى رئيس الحكومة اللبنانية في ذلك الوقت فؤاد السنيورة، ويتمّ وصفهما على مدار الساعة بالمتآمرين أو بمن تخلّوا عن لبنان، وهنا لا بد من الردّ والتذكير.
بعد حرب تموز التي افتعلها نصرالله، منفردا، قدمت المملكة هبة إلى الدولة اللبنانية لمعالجة آثار الحرب تقدر بـ746 مليون دولار أنفقتها الحكومة، وفق مشيئة الواهب، على النحو التالي: إغاثة عاجلة (50 مليون دولار)، إعادة إعمار 208 قرية وبلدة (293 مليون دولار)، إعادة إعمار أبنية منها 36 عقارا في الضاحية الجنوبية بقيمة (32 مليون دولار)، إعادة إعمار البنى التحتية ومشاريع إنمائية (175 مليون دولار)، دعم قطاع التعليم (84 مليون دولار)، دعم الجيش وقوى الأمن (100 مليون دولار)، مساعدات للقاطنين في المخيمات (12 مليون دولار).
ومن خلال أرقام الحكومة اللبنانية الرسمية والمعلنة، فإن نسبة المساعدات السعودية في إطار مجموع المساعدات التي قدمت للبنان بعد الحرب 63 بالمئة منها، عالجت الأضرار العقارية والسكنية بما نسبته 44 بالمئة، وهذه الأرقام أغفلت الوديعة السعودية في البنك المركزي اللبناني التي تقدر بمليار دولار، ولم تحتسب مبادرة الملك عبدالله بن عبدالعزيز التي سددت رسوم الطلبة اللبنانيين في المدارس لعامين متتاليين.
الممانعون أغضبهم تصريح المملكة الشهير في 15 يوليو 2006 “إن المملكة العربية السعودية كانت، ولا تزال، تؤمن بحق الشعوب الواقعة تحت الاحتلال في مقاومة هذا الاحتلال بجميع أشكاله، ورفض إجراءاته غير الشرعية الرامية إلى طمس الهوية وتغيير الوقائع على الأرض، ومن هذا المنطلق كانت المملكة تقف، دوماً، وبكل إمكاناتها مع المقاومة الفلسطينية المشروعة التي تستهدف مقاومة الاحتلال العسكري وتجنب إيذاء الأبرياء، ومن المنطلق نفسه وقفت المملكة بحزم مع المقاومة في لبنان حتى انتهى الاحتلال الإسرائيلي للجنوب اللبناني.
المملكة إذ تستعرض بقلق بالغ الأحداث المؤلمة الدامية التي تدور الآن في فلسطين ولبنان، تودّ أن تعلن بوضوح أنه لا بد من التفرقة بين المقاومة الشرعية، وبين المغامرات غير المحسوبة التي تقوم بها عناصر داخل الدولة ومن وراءها، دون رجوع إلى السلطة الشرعية في دولتها ومن دون تشاور أو تنسيق مع الدول العربية، فتوجد بذلك وضعاً بالغ الخطورة يعرّض جميع الدول العربية ومنجزاتها للدمار دون أن يكون لهذه الدول أيّ رأي أو قول. إن المملكة ترى أن الوقت قد حان لأن تتحمل هذه العناصر وحدها المسؤولية الكاملة عن هذه التصرفات غير المسؤولة وأن يقع عليها وحدها عبء إنهاء الأزمة التي أوجدتها”.
غضب الممانعون من توصيف حربهم الأنانية بالمغامرة غير المحسوبة، ويجدر تذكيرهم بأن أمين حزب الله -من دون أن يدري- أيّدَ توصيف المملكة ودقة حكمها في تصريحه المعروف بعد انتهاء الحرب مباشرة “لو كنت أعلم أن ردة فعل إسرائيل بعد خطف جنودها ستكون بهذا العنف لما خطفت الجنود”.
لو كانت السعودية أخطأت في حرب تموز فخطؤها كامن في عدم الالتزام الحرفي بتصريحها “مغامرات غير محسوبة” بتناسي محاسبة المغامرين، كان واجبا على المملكة أن تترك مسؤولية جمهور ما يسمّى بحزب الله على إيران وتستثنيه جغرافيا وبشريا من المساعدات، فها هو سيد الممانعة ينكر الجميل وينسبه إلى غير أهله، وهذا ليس مستغربا على من طعن اللبنانيين الذين آووه وحضنوا جمهوره في حرب تموز 2006 خلال أحداث مايو 2008 التي احتل خلالها ما يسمّى بحزب الله بيروت والجبل وروع أهلهما.
بثت إحدى القنوات الممانعة فيلما وثائقيا عن حرب تموز عماده رئيس الجمهورية الأسبق إميل لحود. وشنّ لحود في مقابلته هجوما شرسا على الرئيس فؤاد السنيورة. وقال لحود إن السنيورة أراد استثمار حرب تموز من أجل نشر الجيش في الجنوب ونزع سلاح حزب الله.
مشاهدة الرئيس لحود ممتعة جدا، فقد ذكر في الوثائقي أنه عارض في مجلس الوزراء نشر الجيش في الجنوب، وأبلغ بذلك وزير حزب الله في الحكومة، لكن حين عاد الوزير في اليوم التالي بموافقة الأمين العام وافق لحود، وللإحاطة هنا، فرئيس الجمهورية لا يحق له التصويت في الحكومة، كما أن اللافت في رواية لحود أننا لا نعلم هل هذه رواية رئيس جمهورية أو موظف في الحزب الإلهي؟ كيف يجرؤ شخص على إعلان رفضه انتشار جيشه في أرض بلده ويعتبر ذلك الحق الطبيعي والواجب أساسي مؤامرة على بلاده؟
يتميز الرئيس لحود في مقابلاته الإعلامية بأنه يدين نفسه من حيث لا يدري ويشيد بخصومه من حيث لا يدري أيضا. وليت الرئيس السنيورة قد نجح في استثمار حرب تموز من أجل نزع سلاح حزب الله. وهذه المحاولة تسجّل له كرجل دولة مخلص ومتبصّر، فما فعله السلاح بعد حرب تموز أكد خبث أغراضه وخسة رعاته، كما أنه لا يمكن لرجل دولة أن يقبل بوجود دولة أخرى في بلاده.
حكم الرئيس السنيورة لبنان بين (2005-2009) في أصعب سنوات لبنان، وتميزت حكوماته بغير إنجاز، كمشروع المحكمة الدولية والاهتمام بالشمال والصمود أمام حصار الميليشيات ودحر الإرهاب في مخيم النهر البارد وتجاوز حرب تموز بأقل الأضرار وقام بعبء إعادة الإعمار على أتمّ وجه، وبعض شعارات 8 آذار اليوم طرحها السنيورة منذ سنوات كمشاريع وعطّلتها قوى 8 آذار لأن هدفها هو المزايدة حصرا، كقانون انتخابي نسبي (قانون فؤاد بطرس) وقانون محاسبة المسؤولين بل واقتراح تعديل دستوري يمنع التوطين.
هناك حاجة ماسة لإعادة الاهتمام بحقبة الرئيس السنيورة وإنصافها في وجه خزعبلات الممانعة واتهاماتها وادعاءاتها، والأفضل إعادة السنيورة نفسه إلى السراي الحكومي، لكن ذكرى حرب تموز تعيدني إلى ما هو أهم، كيف كانت 14 آذار بهذه القوة وكيف أصبحت بهذا الضعف؟
أحمد عدنان - العرب