كشفَ زوّار واشنطن عن مشروع صفقة روسية ـ أميركية طرَحها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على وزير الخارجية الأميركية جون كيري، للمقايضة بين إعفاء الاتّحاد الروسي من تهمة اعتماده المنشّطات في «سوتشي 2014» لفتح الطريق أمامه إلى «ريو 2016» مقابل إعادة النظر في حصار حلب وتسهيل التفاهم على اللائحة المشتركة بينهما حول المنظّمات الإرهابية. فمَن هو المستفيد؟ وما هو المتوقّع؟
شكّكت التقارير الديبلوماسية والاستخبارية الواردة من واشنطن في قدرة الجيش السوري النظامي و»حزب الله» والمجموعات المسلّحة التي يقودها الحرس الثوري الإيراني على الاحتفاظ بالمواقع التي تشدّد الحصار على المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في حلب وأريافها.

والدليل ترجمه التقدّم الذي أحرزته المعارضة في الساعات الماضية بفكّ جزء من الطوق الذي حقّقته سيطرتهم على طريق الكاستيللو الإستراتيجي وتطويق القوّة التي نفّذت تلك المهمة وقطع الطريق عليها في عملية قد تعيد فتحَ الشريان الحيوي بين الأحياء الشرقية للمدينة وريفها والحدود السورية ـ التركية في وقتٍ قريب.

وأفادت التقارير التي تلقّتها واشنطن أنّ مشروع الحصار على حلب لن يستغرق تنفيذه وقتاً طويلاً. فما حصَل شكّل خللاً كبيراً في المعادلة التي تتحكّم بالتوازنات الداخلية بين النظام ومعارضيه.

وهي في حال استمرارها تهدّد الاستقرار السلبي القائم بين طرفي النزاع القائم على قاعدة منع أيّ منهما من تحقيق أيّ تقدّم يؤدي إلى كسر التوازن القائم في انتظار التفاهم على آليّة ضرب المنظّمات الإرهابية بنحوٍ لا يَسمح بانتصار النظام أو معارضيه لتبقى إمكانية الوصول الى تفاهمات سياسية مفتوحة بينهما بوسائل قابلة للتطبيق برعاية روسية وأميركية مباشرة في وقتٍ لم يحدّد بعد. وإنْ كان من المرجّح أن يتمّ التوصّل إليه في بداية عهد الإدارة الأميركية الجديدة التي ستأتي بها الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني المقبل.

وعليه، أكّدت هذه التقارير أنّه ورغم الخلافات الروسية ـ الأميركية التي لم تضَع نهايةً كاملة لها زيارة كيري إلى موسكو الأسبوع الماضي، فإنّ تفاهماً مبدئياً قد تَحقّق بين الدولتين يقضي بتأكيد استمرار رعايتهما للأزمة السورية والتحكّم مباشرةً بمساراتها العسكرية والأمنية وكذلك السياسية بالتفاهم والتنسيق في حدِّه الأدنى بين كلّ منهما مع حلفائه على اختلاف انتماءاتهم ومشاريعهم، مع اعترافهما المسبَق بوجود طموحات لدى البعض منهم يمكن أن تعوق ما يتعهّد به كلّ منهما، من دون أن يحول ذلك في النهاية دون ما يريدانه مهما كانت الكلفة ومهما استغرقَه من وقت.

لكن ما كان لافتاً في مضمون هذه التقارير الحديث عن «مقايضة جزئية» طرَحها بوتين على ضيفه كيري، قضَت باستعداد موسكو لإعادة النظر بما يَجري في حلب من محاولةٍ لكسر القواعد التي حَكمت الوضع في المدينة منذ فترة والتخفيف من حدّة الحصار الذي تنفّذه على المنطقة وأريافها. وذلك مقابل التراجع عن قرار «تمديد إيقاف» عضوية الاتّحاد الروسي في «الاتحاد الدولي لألعاب القوى».

وهو قرار اتّخِذ تنفيذاً لعقوبات فرضَتها اللجنة التابعة للوكالة العالمية لمكافحة المنشّطات التي توصّلت إلى وجود دلائل على استخدام رياضيين روس للمنشّطات الرياضية بنحو ممنهَج وواسع النطاق وبدعم مسؤولين في المؤسسات الرسمية الروسية خلال أولمبياد «سوتشي ـ 2014» الشتوي.

وهو ما سيَمنع الرياضيين الروس من المشاركة في منافسات دولية مقبلة بما فيها أولمبياد ريو دي جانيرو 2016 الذي تبدأ فعالياته في 5 آب المقبل. وخصوصاً أنّ قياديين رياضيين روساً حذّروا من أن يدفع القرار بالمنع بكثيرٍ من الرياضيين إلى إنهاء مسيرتهم الرياضية، ما سيتسبّب بنكسةٍ ليس من السهل تجاوز مخاطرها السلبية قريباً.

وقالت المعلومات إنّ كيري لم يتعهّد في جوابه على المقايضة ـ المبادرة الروسية بأيّ خطوة حاسمة، في انتظار ما يمكن فعله في المرحلة المقبلة، مشترطاً تعهّداً روسيّاً بمنعِ أيّ خلل في خريطة مواقع القوى حول حلب قبل التفاهم على اللائحة المشتركة للمنظمات الإرهابية بين الدولتين.

وهو ما يعني أن تتريثَ موسكو في دعم أيّ خطوة يقدِم عليها النظام وحلفاؤه بتعزيز الحصار على حلب، وذلك منعاً لحصول أيّ كارثة إنسانية بالمفهوم الأميركي قد تؤول إلى أمرين خطيرين: تسجيلُ نكسة لحلفاء واشنطن الخليجيين وتركيا، ووضعُ مصير 500 ألف سوري يعيشون في مناطق سيطرة النظام أمام أمرين أحلاهما مر، فإمّا أن يكونوا ضحية مجزرة لم تشهَدها لا سوريا ولا أيّ دولة في العالم من قبل، أو فتحُ الطريق أمام عملية إجلاء لا سابقَ لها في اتّجاه الأراضي التركية الأقرب إلى منطقة القتال، وهو أمر غير ممكن في المرحلة الراهنة قبل أن يستتبّ الوضع في تركيا بعد الانقلاب الفاشل.

وإلى هذه المقايضة الروسية العسكرية ـ الرياضية التي فاجأت بعض المسؤولين الأميركيين فإنّ ثمّة إشارة إلى أنّ الأميركيين ينتظرون تقلّبات في مواقع القوى في صفوف المعارضة السورية بعدما تبَلّغوا نيّة قيادة «جبهة النصرة» في المنطقة الإعلان سريعاً عن ابتعادها عن «القاعدة» بخطوات ميدانية منتظرة بغية إسقاطها من اللائحة المشتركة مع روسيا، الأمر الذي دفعَ واشنطن إلى التريّث في اتّخاذ أيّ قرار من الصفقة مع روسيا، علماً أنّ الأمر لن يكون بعيداً لحسمِ المواقف النهائية وبات رهناً بموعدٍ أقصاه نهاية الأسبوع الجاري.
 
جورج شاهين: الجمهورية