يمكن بسهولة تخيّل عضوي التيار الوطني الحر زياد عبس وجورج تَشاجيان، المُعلقة عضويتهما، وهما يُتابعان، بحسرة، تواتر الأخبار من مركز الحزب السوري القومي الاجتماعي. الخبر الأول، يُعلن موافقة المحكمة الحزبية في «القومي» على الطعن المقدم من عضو المجلس الأعلى أنطون خليل الرافض للتعديل الدستوري الذي سمح للرئيس أسعد حردان بالترشح لولاية رئاسية ثالثة، لمرة واحدة فقط، ما يعني أن الانتخابات تُعَدّ ملغاة، وحردان رئيس سابق.

الخبر الثاني، إعلان المجلس الأعلى في الحزب التزامه قرار المحكمة الحزبية وفتح باب الترشيح إلى رئاسة الحزب وإجراء الانتخابات في خلال مهلة 15 يوماً. عبس وتَشاجيان وبيار عطالله وسجعان قزي وحنا عتيق وابن بشرّي القواتي جو خليفة، وآخرون يُعبّرون عن معاناتهم من التفرد بالسلطة داخل أحزابهم وغياب الديمقراطية، تمنوا لو أن قدرهم قادهم سابقاً إلى أبواب حزب «تجرأت» محكمته الحزبية على «إدانة» مجلسه الأعلى، لمخالفته «الكتاب» الذي لا تقل صيانته أهمية عن صيانة العقيدة. قد تكون الملاحظات حول أداء «القومي» السياسي عديدة. والعقيدة التي يؤمن بها هي بلا شك محل نزاع. وشخصية حردان خلافية في نظر قوميين كثر، أكثرهم خارج الحزب، وخاصة لناحية دوره في النزاع القومي الداخلي منذ أيام الحرب الأهلية، عندما كان يتولى مسؤوليات عسكرية. لكن، وليس من باب المديح بالرئيس ولا بالحزب، لا بد من «الاعتراف» بأنه قدم نموذجاً في العمل الحزبي تفتقد له الغالبية العظمى من الأحزاب اللبنانية. لن يكون حردان والذين يدورون في فلكه سعداء بتجريده من صلاحياته الرئاسية، ولكن يُسجل له أنه ظهر، خلافاً لما يتهمه به خصومه، أنه يلتزم المقررات الحزبية. وجه رسالة إلى القوميين المعارضين بأن في الحزب مؤسسات عليا تُلزِم الجميع بالدستور، وبالتالي ثمة إمكانية لتغيير «النهج» الذي يقولون إنهم يعترضون عليه، من ضمن الأطر الرسمية، خاصة أنهم يُصرون على أن خلافهم مع حردان ليس عقائدياً ولا سياسياً، بل تنظيمي.
تاريخ «الصراع» القومي ــ القومي، الذي أخذ حيزاً كبيراً من النقاش العام، يعود إلى 11 و12 حزيران الماضي، موعد عقد المؤتمر العام للحزب وانتخاب أعضاء المجلس الأعلى الـ17. يومها، «رُفعت القبعة» للقومي الذي التزم مواعيده الدستورية على الرغم من انشغاله عسكرياً في الحرب السورية، وسياسياً بأموره الداخلية، خاصة ملف الوحدة بين كافة أجنحته. هذه الالتزامات لم تمنع حردان، في خلال انعقاد المؤتمر وقبله، من التأكيد أنه لا يرغب في تعديل الدستور وانتخابه لولاية ثالثة، ولكنه قال إنه لن يُمانع قرار المجلس الأعلى إذا ما قرر ذلك. حصول مؤيدي حردان وحلفائه على 15 مقعداً من المجلس الأعلى ــ وتمثيل المعارضة بمقعدين، الرئيس السابق للحزب جبران عريجي والنائب السابق أنطون خليل ــ كان دليل الفريق المعارض على الاتجاه نحو تعديل الدستور «بطريقة غير قانونية، لكون المجلس هو حالياً هيئة ناخبة وليس تشريعية»، كما قالوا. لم يتأخر ثبوت شكوك المعارضين، فما كان منهم إلا الانقسام إلى فريقين. الفريق الأول يُمثله عريجي وخليل اللذين التزما الاعتراض من داخل المؤسسات الحزبية. قدّم خليل طعناً بقرار تعديل الدستور، وربط وعريجي بقاءهما في الحزب بقرار المحكمة الحزبية. أما الفريق الثاني، فقد كانت نواته حركة «قسم» (قوميون سوريون موحدون)، بالإضافة إلى أفرادٍ من الحزب، قرروا «الانتفاض» على تعديل الدستور، فأسسوا حركة «8 تموز» وكان إعلانها منذ 10 أيام من أمام ضريح المؤسس أنطون سعادة.

 

 

منذ أسبوع تقريباً، اجتمع المجلس الأعلى مع اللجنة القانونية في الحزب، فجرى التداول بالتعديل والاعتراضات عليه. في الجلسة التي افتُتحت باسم سوريا وسعادة، قدمت اللجنة القانونية مطالعتها، خلاصتها أنّ «التعديل غير قانوني وانتخاب حردان غير شرعي، لكون المجلس الأعلى هو هيئة ناخبة، وكان يُفترض أن يُقدم اقتراحه بالتعديل إلى الهيئة القانونية لتُعطي رأيها. بعدها يُرفع للمجلس القومي الذي يُصوت عليه، ثم يُرسل إلى الإدارات المختصة لدراسة الموضوع. وهذه الإدارات هي بحكم المستقيلة بسبب انتهاء ولاية الرئيس»، إستناداً إلى المصادر. الصمت خيّم على الحاضرين بعد هذه القراءة، «فاعترض حردان قائلاً: هل أنا عدّلت وحدي؟ كان هناك صوتي و11 صوتاً آخر». أمس، التأمت المحكمة وأصدرت قراراً من 18 صفحة تُعلن فيه «إبطال القانون الدستوري الصادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 23/6/2016 رقم 12/84، ورد كل ما زاد أو خالف من طلبات أو دفاعات كونه وجد رداً ضمنياً أو لعدم الجدوى».
قرار المحكمة «فاجأ البعض ولم يُفاجئ البعض الآخر»، كما يقول مصدر مسؤول في «المركز». من حيث السياق، «المجلس الأعلى أقرّ التعديل لكونه حقاً له». لذلك كان هناك «عدة اجتهادات، بعضها يرى أن القرار صحيح لكونه صادراً عن هذه السلطة التشريعية». يُذكّر المصدر بأن حردان «هو ابن المؤسسات، انتخابه كان ديمقراطياً، وهو مُلتزم هذا النهج. المؤكد أنه عاد عضواً في المجلس الأعلى». زميل آخر له يعتبر أنّ «الحزب الذي خرج سناء محيدلي وأنشأ نسور الزوبعة، حزب عريق بكل خطوة يُقدم عليها والرئيس قَبِل القرار». ولكن، إذا «أردنا التكلم بالواقع الحزبي، حردان نال أكثر من 80% في الانتخابات الداخلية. إبطال القرار لا يعني إلغاء هذا الواقع التمثيلي». انطلاقاً من هنا، تتحدث معلومات عدة عن احتمال توجه حردان لترشيح الرئيس السابق للحزب علي قانصو، أو شخصية أخرى تكون مقبولة من المعارضين. والفريق المعارض أيضاً «يدرس احتمالات ترشيح اسم ولو أنهم يُدركون أنها لن تكون سوى معركة تثبيت موقف، لكون الأكثرية في المجلس تؤيد حردان أو تحالفه».
استقلالية القضاء داخل «القومي» واحترام الحزب للقرارات الحزبية، لم يكونا السببين الوحيدين في إبطال التعديل الدستوري. رسائل عدد من الحزبيين، وتحويل أزمة داخلية إلى نقاش إعلامي، إضافة إلى الطعن الذي قدمه خليل أمور أسهمت ولو بطريقة غير مباشرة بتغيير مجرى الرياح القومية. يقول خليل في اتصال مع «الأخبار» إن رئيس الحزب بقبوله قرار المحكمة «أبدى موقفاً إيجابياً يُحترم عليه». المرحلة الثانية هي «في انتخاب رئيس جديد والتغيير من الداخل إذا أمكن». أما «8 تموز»، فقد أصدرت أمس بياناً أشادت فيه «بالمحكمة وقرارها الجريء ونزاهة أعضائها وتحمّلهم المسؤولية التاريخية»، مطالبة المجلس الأعلى بـ«تقديم استقالته لأنه أثبت عدم أهليته للقيام بواجباته» والدعوة إلى إجراء انتخابات جديدة.
وكان المجلس الأعلى قد اجتمع بعد ظهر أمس للتبلغ بقرار المحكمة، ووضع حردان استقالته بتصرفه. استناداً إلى المعلومات، دار «نقاش جيد حيث تبادلنا الآراء». حردان، رغم التزامه قرار المحكمة «اعتبر أنه تشوبه شوائب عدة». أما الفريق المعارض، الممثل بخليل، فقد أبلغ رفاقه أن «المجلس تسرّع في التعديل الدستوري، ولكن الآن الموضوع انتهى». لم يسع المجلس الأعلى سماع رأي عريجي، الذي يوصف بأبرز المعارضين لحردان، لكونه قرر في هذه اللحظة الحساسة التي يمرّ بها حزبه البقاء في مصيفه إهدن.
وكان حردان قد أصدر بياناً ذكّر فيه بانعقاد المؤتمر العام للحزب وحصوله على نسبة 87% من الأصوات «ما شكل استفتاءً على الإدارة الصحيحة التي تولاها رئيس الحزب مدى دورتين متتاليتين»، وأكد أن المجلس الأعلى بعد الموافقة على التعديل، «انتخب رئيس الحزب لولاية ثالثة. وهو انتخاب دستوري، لا يمكن الرئيس رفضه، لأنه مؤمن ومؤتمن على عمل المؤسسات الحزبية». وختم البيان بالقول إنه بعد قبول الطعن «سأمارس واجباتي ومسؤولياتي، عضواً منتخباً في المجلس الأعلى».


«العنيد» ميشال الحاج

ابن بلدة داربعشتار في قضاء الكورة ميشال الحاج، هو «مناضل قديم وكان مُنفذاً عاماً» للحزب السوري القومي الاجتماعي في المنطقة الشمالية. رئيس للمحكمة الحزبية منذ سنوات طويلة، تعود إلى أيام تولي جبران عريجي رئاسة الحزب. التزم خلال سنوات خدمته تطبيق الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية. يُجمع قوميو «المركز» والقوميون المعارضون على أنّ الحاج «نزيه وآدمي»، وهو «مستقل يُحافظ على استقلالية سلطته أياً يكن رئيس الحزب». أما الصفة الأبرز، فهي أنه «عنيد ولا يتراجع عن القرارات التي يتخذها بعد بحث وتفكير طويل».
إضافةً إليه، تتألف المحكمة من عضوين: نزيه غنطوس وجهاد عقل. لم يسبق أن اتخذت المحكمة الحزبية قراراً من هذا النوع، لكونه لم يسبق أن حصل نزاع حزبي بشأن التعديل الدستوري. وقد أصدرت المحكمة قرارها أمس بالإجماع.