العالم كلّه هدفٌ للإرهاب، بكلّ تلاوينه؛ الداعشية والتكفيرية، وبكلّ جنسياته والوجوه التي يلبسها، والدين الذي يحتمي به.. إنّه إرهاب متنقّل بين الشرق والغرب وفي كلّ الاتجاهات، لا هدفَ له إلّا القتل والترويع. فبعد الهجوم الذي شهدته مدينة نيس الفرنسية في العيد الوطني، والذي أسفرَ عن مقتل 84 شخصاً، هاجمَ مسلحون مركزاً تجارياً مزدحماً في مدينة ميونيخ الألمانية مساء أمس، وأطلقوا الرصاص عشوائياً على الناس الذين هربوا مذعورين للاختباء ممّا وصفته الشرطة بأنّه هجوم إرهابي.
أعلنَت الشرطة أنّ 11 شخصاً على الأقل قتِلوا، وأنّ المهاجمين لا يزالون طلقاء. وطلبَت من المواطنين إخلاءَ الشوارع، فيما بدأت بإغلاق ثالث أكبر مدينة في البلاد، مع وقف المواصلات وإغلاق الطرق السريعة.
وذكر تلفزيون «إن.تي.في» الألماني أنّ السلطات الإلمانية أعلنت حالة طوارئ في ولاية ميونيخ.
ودعت الشرطة المواطنين إلى تفادي المناطق العامة والمزدحمة في ميونيخ، وألغت حفلاً موسيقياً في المدينة، وطلبَت عدمَ بثّ أيّ صور أو نشر فيديو عن تحرّكاتها، لأنّها قد تلعب دوراً في مساعدة المهاجمين.
وأعلنت في وقت لاحق العثورَ على جثة على بعد كيلومترين من الهجوم، ولم تؤكّد الشرطة في ما إذا كان المهاجمون في المدينة أو في تخومها.
وعبّر الرئيس الألماني يواخيم غاوك عن «صدمته الكبيرة» بعد الاعتداء «الإجرامي» في ميونيخ.
وقال غاوك في بيان: «إنّ الاعتداء الإجرامي في ميونيخ أشعرني بالصدمة الى اقصى حد»، مؤكّداً تضامنه مع الضحايا وعائلاتهم.
إلى ذلك، لم يستبعد مكتب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أيّ فرضيات بشأن هجوم ميونيخ، بعد عقدِ اجتماع أزمة عاجل في برلين.
وقال بيتر ألتماير مدير مكتب ميركل: «إنّ السلطات لا يمكنها تأكيد إن كان حادث إطلاق النار في ميونيخ يمثّل عملاً إرهابياً».
وأضاف ألتماير للتلفزيون الألماني: «لا يمكننا تأكيد وجود صلة لِما حدث بالإرهاب، كما لا يمكننا تأكيد عكس ذلك أيضاً.. لكنّنا نحقق في هذا الاتّجاه».
وأضاف أنّ مجلس الوزراء الخاص بالشؤون الأمنية سيعقد اجتماعاً اليوم لتقييم الموقف.
ومع توجّه عناصر خاصة من جهاز مكافحة الإرهاب إلى المدينة، أعلن وزير الداخلية الألمانية توماس دي ميزيير أنّه قطعَ زيارته الى الولايات المتحدة من أجل أن يعود الى ألمانيا.
وذكرَت مجلة «فوكوس» الألمانية نقلاً عن مصادر في الشرطة أنّ أحد المسلّحين الذين أطلقوا النار بصورة عشوائية في ميونيخ، قد أصيبَ بطلقٍ في رأسه وفارقَ الحياة.
ومع وصول القوات الخاصة إلى الموقع، بقيَ بعض الأشخاص يختبئون داخل مركز أولمبيا للتسوق.
وقالت عاملة في المركز وهي مختبئة في غرفة للتخزين: «أطلِقت العديد من طلقات الرصاص.. لا يمكن أن أحصيَ عددها.. لكنّها كثيرة». وقالت المرأة التي طلبت عدم ذكر اسمِها إنّها شاهدت مُصاباً بطلق ناريّ على الأرض، بدا أنّه قتِل أو يحتضر متأثراً بإصابته.
وقال عامل آخر في متجر مختلف: «لا زلنا عالقين داخل مركز التسوّق من دون أيّ معلومات. نحن بانتظار الشرطة لإنقاذنا».
وقالت متحدثة باسم شرطة ميونيخ: «نعتقد أنّ هناك أكثر من مهاجم. تلقّينا أول تقارير عن إطلاق نار الساعة السادسة (أمس) بالتوقيت المحلي، وبدأ إطلاق النار فيما يبدو في ماكدونالدز الموجود بمركز التسوق. لا يزال هناك أشخاص في مركز التسوّق. نحاول إخراج الناس من هناك والاهتمام بهم».
وقالت شرطة ميونيخ على «فيسبوك» و»تويتر» إنّ المسلحين كانوا ثلاثة يحملون بنادق. وأظهر مقطع فيديو تمَّ بثّه عبر الإنترنت - ولم يتمّ التحقّق من صحته - رَجلاً يرتدي ملابسَ سوداء خارج مطعم ماكدونالدز على جانب الطريق، وهو يشهر مسدساً، ويطلق النار على الناس.
وقالت الشرطة إنّ شهوداً رأوا وسمعوا إطلاقَ نار داخل مركز التسوّق وفي الشوارع المجاورة له.
ويقع مركز التسوّق بجوار استاد ميونيخ الأولمبي. وشهدت الألعاب الأولمبية عام 1972 احتجاز جماعة مسلّحة فلسطينية تدعى «منظمة أيلول الأسود» لأحد عشر رياضياً إسرائيلياً رهائن في هذا الاستاد، وانتهى الأمر وقتها بقتلهم.
وتمّ أيضاً إخلاء محطة السكك الحديدية الرئيسية في ميونيخ. وقالت محطة «بي.آر»: «إنّ الشرطة أغلقَت العديد من الطرق السريعة شمالي ميونيخ وطلبت من المواطنين مغادرة تلك الطرق».
وإطلاق النار هو ثالث هجوم كبير ضد أهداف مدنية في دول غرب أوروبا خلال ثمانية أيام. وأعلن تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته عن هجومين وقعا في الفترة الأخيرة في فرنسا وألمانيا.
لكن حتى الآن لم تعلن أيّ جهة مسؤوليتها عن الهجوم، لكنّ مؤيّدين لتنظيم الدولة الإسلامية احتفلوا على مواقع التواصل الإجتماعي بعملية إطلاق النار العشوائي.
وقال أحدهم على تويتر: «الحمد لله.. اللهمّ وفّق رجال الدولة الإسلامية».
وأضاف آخر: «الدولة الإسلامية تتمدّد في أوروبا».
وفي المواقف الدولية، تعهّدَ الرئيس الأميركي باراك أوباما «تقديم كلّ الدعم الذي تحتاج إليه ألمانيا».
وقال: «البعض منكم يَعرف أنّه كان هناك إطلاق نار في ألمانيا، ونحن لا نعرف حتى الآن ما يَحدث هناك بالضبط، ولكن بالطبع أفكارنا هي مع أولئك الذين أصيبوا بجروح»، مشيراً الى أنّ «ألمانيا هي أحد اقرب حلفائنا وسنقدّم كلّ الدعم الذي قد تحتاج اليه للتعامل مع هذا الوضع».
بدوره، وجّه الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند مساء امس «رسالة دعم شخصية» إلى المستشارة الألمانية انجيلا ميركل، وفق ما أعلن مكتبه، وذلك إثر إطلاق النار في ميونيخ بجنوب البلاد.
ودان أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح الإعتداء، مؤكّداً تضامنه مع ألمانيا. ودعت سفارات السعودية والإمارات والكويت رعاياها في ميونيخ للبقاء في أماكن آمنة.
وجاء هجوم أمس، بعد أسبوع من إصابة عدد من ركّاب قطار ألماني، في هجوم نفّذه طالب لجوء يبلغ من العمر 17 عاماً بفأس، وهو هجوم أعلن تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته عنه. وأطلقت الشرطة النار على المراهق، بعد أن أصاب أربعة أشخاص من هونج كونج على متن القطار وامرأة من سكان المنطقة أثناء هروبه.