كلما لاحت بوادر تحسّن في العلاقات بين مصر وتركيا، لحقت بها أخرى تعيدها إلى مربع الصفر، حيث شن الرئيس رجب طيب أردوغان، مؤخرا هجوما لاذعا على النظام المصري، بعد أن أدلى عدد من معاونيه (قبل محاولة الانقلاب الفاشلة) بتصريحات أوحت بالتفاؤل حيال القاهرة، واحتمال تذويب جزء من الخلافات.
وقال أردوغان، في حوار مع قناة “الجزيرة” القطرية “السيسي قام بالانقلاب على الرئيس محمد مرسي المنتخب من قبل الشعب، ولا علاقة له بالديمقراطية”، مضيفا أن “سوريا ومصر تتشوقان إلى الديمقراطية وتنتظران الوقت الذي تحل فيه إرادة الشعب”. وأثارت تصريحات الرئيس التركي حفيظة القاهرة التي سارعت خارجيتها للرد عليه في بيان، قالت فيه إن “الرئيس أردوغان يستمر في خلط الأوراق وفقدان بوصلة التقدير السليم، الأمر الذي يعكس الظروف الصعبة التي يمر بها”.
وأضاف البيان “من ضمن أكثر الأمور التي تختلط عليه هي عدم القدرة على التمييز بين ثورة شعبية مكتملة الأركان خرج فيها أكثر من ثلاثين مليون مصري مطالبين بدعم القوات المسلحة لهم، وبين انقلابات عسكرية بالمفهوم المتعارف عليه”، في إشارة إلى محاولة وحدات من الجيش التركي الانقلاب على حكم أردوغان في يوليو الجاري.
وتؤكد تصريحات أردوغان والرد المصري، أن الأزمة بين الجانبين متجذرة، ولا يمكن تجاوزها بسهولة، كما تعكس ارتباك النظام التركي واهتزازه، على وقع الهزات التي يتعرض لها.
وكانت القاهرة قد تعاملت مع الرسائل الإيجابية التي وصلت إليها من أنقرة (قبل الانقلاب) بحذر شديد واتسم خطابها بالتريّث وربطه بالمتغيرات الحاصلة على الأرض.
أردوغان يجمع حوله الكثير من تيارات الإسلام السياسي في المنطقة، ويستمد جزءا كبيرا من شعبيته وسلطته من تواجد هذه التيارات حوله
وأظهر تصريح أردوغان بخصوص حاجة “الشعب المصري إلى الديمقراطية” عدم استعداده لتلبية أحد شروط القاهرة لتحسين العلاقات، والتي تتعلق باعتراف أنقرة بالأوضاع السياسية الراهنة في مصر، وفي مقدمتها النظام الحاكم حاليا، وأنه لا يزال مصرّا على استخدام وصف “الانقلاب”، وهو ما يجعل المؤشرات الإيجابية التي ظهرت قبل نحو أسبوعين تتوارى.
وحرص أردوغان على التلويح بعلامة “رابعة”، التي يرفعها دائما أنصار الرئيس الإخواني المعزول محمد مرسي، في أول ظهور له بعد فشل الانقلاب في دلالة على مواصلة دعمه للإخوان.
وهذه إشارات اعتبرتها جهات دبلوماسية غاية في السلبية، وتكشف عن حقيقة تقدير القاهرة لتصلّب الموقف التركي حيالها. وبدت بعض وسائل الإعلام المصرية، محتفية بمحاولة الانقلاب العسكري الذي شهدته تركيا مساء يوم 22 يوليو، واعتبرت أن تحرك الجيش هو خطوة على طريق تصحيح الأوضاع في تركيا.
كما اعترض ممثل مصر (العضو غير الدائم) في مجلس الأمن، على فقرة في بيان جرى إعداده تشير إلى دعوة المجلس إلى “ضرورة احترام الحكومة المنتخبة ديمقراطيا في تركيا”. وقال عمرو أبوالعطا، ممثل مصر في الأمم المتحدة، “إن مجلس الأمن ليس من صلاحياته تصنيف أن هذه الحكومة ديمقراطية أم لا”، ودعا إلى إلغاء مسودة البيان.
واعتبر نشأت الديهي، المتخصص في الشؤون التركية، أن كل محاولات الوساطة التي تقوم بها بعض الأطراف لتقريب وجهات النظر بين القاهرة وأنقرة أجهضت منذ اليوم الأول للانقلاب، خاصة أن أردوغان ينظر إلى بعض الدول الإقليمية على أنها كانت مسرورة من حركة الجيش وتنتظر سقوطه.
وقال لـ“العرب” إن الخلاف بين البلدين وجودي، باعتباره قائما على الأيديولوجية، مشددا على أن أردوغان يجمع حوله الكثير من تيارات الإسلام السياسي في المنطقة، ويستمد جزءا كبيرا من شعبيته وسلطته من تواجد هذه التيارات حوله، وإذا حاول التقارب مع القاهرة، فإنه قد يفقد جزءا من قوته السياسية.
وفسّر الديهي ما نشر قبل محاولة الانقلاب عن بدء مرحلة جديدة من العلاقات مع دول الجوار، بأنه كلام غير دقيق، معللا ذلك بأنه لم يصدر عن أردوغان شخصيا، لافتا إلى أن قواعد اللعبة في تركيا كلها بيده وأن الباقين ليسوا سوى مجرد أدوات يحركها من حين لآخر، وحتى يكون للسياسات التركية صدى حقيقيا على أرض الواقع، يجب أن يكون أردوغان هو قائدها ومحركها.
وكانت تركيا قد قررت تعديل بعض توجهاتها الخارجية، بعد سلسلة من الإخفاقات في عدد من القضايا الإقليمية، أفضت بها إلى تقديم اعتذار إلى روسيا بسبب إسقاط طائرتها فوق الأراضي السورية العام الماضي، وتطبيع العلاقات مع إسرائيل، عقب فترة من الممانعة السياسية، وألمحت على لسان رئيس وزرائها بن علي يلدريم إلى استعدادها لبدء صفحة جديدة مع كل من سوريا ومصر.
وقال تورغوت أوغو، المدير الإقليمي لصحيفة الزمان التركية المعارضة، إن أردوغان يصعب عليه التفكير في إصلاح علاقته مع القاهرة، لكنه يستخدم رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم وغيره من المسؤولين في النظام لإبداء بعض المرونة السياسية.
ولم يستبعد تورغوت المقيم في القاهرة في تصريحات لـ“العرب”، حدوث تواصل بين القاهرة وفتح الله غولن المعارض التركي الموجود في بنسلفانيا بالولايات المتحدة، متوقعا أن تستضيفه مصر على أرضها قريبا، بحكم أن حركة “خدمة” التي يرأسها لديها استثمارات تعليمية كبيرة في مصر، ومن الطبيعي أن يتواجد في القاهرة.
صحيفة العرب