تفاعل الجمهور والرأي العام اللبناني كعادته مع الزلزال التركي والانقلاب الفاشل الذي حصل ليلة الجمعة السبت الفائت، وبطبيعة الحال فقد اصاب اللبنانيين ما يشبه التشظي فضلا عن الانقسام العمودي المعتاد، وهو ( الجمهور ) الذي عودنا على هذه الانقسامات باحداث اقل بكثير من الحدث التركي كمباريات كرة قدم مثلا او ادانة تفجيرات في بقعة من بقاع الارض او اي حدث كوني وان كان مفصولا تماما عن مجريات المشاكل عندنا وليس له اي تداعيات على يومياتنا .
وهذا طبعا لا ينطبق البتة على ما حصل في تركيا التي تعتبر عامل اساسي ولاعب رئيسي في مجريات المنطقة من خلال دورها المركزي على الساحة السورية المفتوحة حتما على كامل المنطقة وبامتداداتها العالمية مما يعني اي تغيير يطرأ على العامل التركي فهو حتما له تداعيات على كامل المشهد الاقليمي ومنه بالتأكيد الساحة اللبنانية المرتبطة عضويا بالمتغيرات السورية بسبب وجود حزب الله كشريك اساسي بالحرب الدائرة هناك وبوصفها جزء من المحور الايراني .
وبالعودة الى الانقلاب الفاشل وما اثير بعده من كلام وتحليلات عن الايادي الخارجية التي لعبت دورا محوريا في تحريكه وكان لها الكلمة الفصل في اعطاءه الضوء الاخضر بتحديد ساعة الصفر للانقلابيين، لان تحرك بهذا الحجم ويهذه الدقة وما له من ابعاد غير خافية حتما على المنفذين ما كان ليكون لولا انه مستندا الى متكيءخارجي متين بحيث يعتبر الانقلاب كخطوة من مجموعة خطوات متفق عليها بين اللاعبين الكبار ومن يدور في فلكم بالخصوص اذا ما اخذنا بعين الاعتبار تقاطع المصالح في ما بينها وما يشكله اردوغان ونظامه من مرتكز اجمع اللاعبون على ضرورة التخلص منه ويكاد اي مراقب رصد ردات الفعل التي رافقت الحدث وما لحقه وما سبقه ان يجزم بمن يقف خلف الستارة ويمسك بتلابيب الخيوط المحركة .
فموقف الخارجية الاميركية وما شابه من تذبذب منذ اللحظات الاولى والدور الطليعي الذي لعبته قاعدة جيرليك الممسوكة اميركيا ينبئ بما لا مجال معه للشك بان للادارة الامركية دور طليعي بقيادة الانقلاب، يضاف لها الاجتماع التفصيلي الذي جمع كيري لافروف في موسكو قبيل الانقلاب وما سرب عن اتفاق حول التنسيق التام بالموضوع السوري مما فهم بعد ذلك عن تواطؤ حول اقتلاع اردوغان كممر اجباري للبدء بالخطوات اللاحقة .
يبقى السؤال الاكبر هو عن مشاركة ايران بالمخطط وان كانت على علم مسبق بمجريات الاتفاق الروسي الاميركي، وهنا لا بد من ذكر مؤشرين اثنين يجزمان بالدور الايراني كشريك مفترض بالعملية، اولا اغلاق الحدود الايرانية التركية وما قيل عن انتقال مقاتلات ايرانية بالقرب من الحدود ولو جاء بعد ذلك نفي ايراني، ثانيا كيفية تعامل وسائل الاعلام الايرانية والتي تدور بفلكها ( العالم - الميادين - المنار ) المرحبة بالانقلاب والداعمة له منذ اللحظات الاولى. والجدير ذكره في هذا السياق هو ما جاء على لسان الامين العام لحزب الله قبل ايام من الانقلاب حين وصف معركة حلب على انها معركة وجودية معتبرا ان " تحرير حلب " يمكن ان يؤسس لبداية انهاء الازمة السورية كما يشتهي الحزب وهذا ما لا يمكن ان يحصل بوجود فيتو اردوغاني .
هذا التصريح الذي اعتبر يومها في ظل رفض روسي معلن لاقتحام حلب وكأنه خارج السياق الطبيعي للامور، حيث جاء تصريح السيد نصرالله بعيد الخطوات التقاربية التركية الروسية، هذا التقارب الذي فاجأ الجميع واعتبر حينها " تكويعة تركية " غير مفهومة الدواعي يومها، ليتبين لاحقا انها ما هي الا محاولة اردوغانية للالتفاف على ما يُدبّر بليل واستشعره جهاز الامن التركي المحسوب على اردوغان، وليدلل ايضا ان اعلان السيد نصرالله عن معركة حلب واضفاء هذا الحجم الكبير لها وتوصيفها بانها معركة وجودية لم يكن من فراغ بل بناءا على معلومات حول ما يرسم لتركيا اردوغان، ولو عُمِل بعد ذلك على تأخير ساعة الصفر عدة اسابيع، ومن غير المعلوم ان يكون تسرع السيد نصرالله بالاعلان عن حجم المعركة واهميتها هي احدى اسباب هذا التأخير، ليبقى ان المرجح هو معرف السيد بما كان يحضر لتركيا كمقدمة ضرورية لهذه المعركة . .