يبرز اسمُ الإرهابي أحمد العموري الملقب "أبو عبدو" أحد أخطر الإرهابيين في التحقيقات الرسمية مع عدد من الموقوفين في قضايا إرهابية تطال الساحتين اللبنانية والسورية. والخطورة أنّ العموري يحاول تصنيعَ أسلحة كيماوية وصواريخ بطرق بدائية تهدّد حياة حتى أقرب المقرّبين إليه والمحيطين به. حتى هو نفسه لم يسلم من قلة خبرته ونقص علمه، إذ إنه بعد سلسلةٍ من الأخطاء في محاولاته لتصنيع أسلحة كيماوية، أُصيب بمرضٍ عضال يهدّد حياته، كما أُصيب عددٌ من المقرّبين منه مثل سيف الدين عياش اسبر. بدأ العموري حركته المشبوهة في شمال لبنان حيث اتخذ من مركز إغاثة النازحين في حلبا غطاءً لتجنيد الشباب وتصنيع المتفجرات، قبل أن ينتقل الى سوريا ويعمل مع المعارضة السورية المسلّحة، في القصير ثمّ إدلب، ثمّ انضمّ الى صفوق تنظيم "داعش".


وتُبين التحقيقات أنه خطّط لتنفيذ تفجيراتٍ إرهابية في لبنان من خلال شبكة من العملاء، لكنّ الأجهزة اللبنانية ألقت القبض على عدد كبير منهم، وحوّلتهم الى المحاكمة. كما أنه حاول، بواسطة عملائه شراءَ أسلحة من متشدّدين في عين الحلوة، من ضمنها صواريخ ليدّعي أنه صنعها ثمّ يحاول أن يضيف إليها مواد كيماوية.

كيف يعمل؟


يشتري العموري موادَ بدائية مثل الأوكسيجين وموادَ تُستعمل في صناعة الذهب ليصنع خلطات في مطبخ عادي، وليس في مختبرات، إضافة الى استخدامه بودرة متفجرات بيضاء، ويحلو له أن يوهم القريبين منه بأنه خبيرٌ في صناعة الصواريخ والمواد الكيماوية. وقد سعى الى تصنيع أسطوانة صواريخ في مخرطة في محلّة المنية في شمال لبنان عندما كان لا يزال في حلبا.

وتكشف التحقيقات والتقارير أنّ العموري يتّكل على مجموعة من صغار السن لمساعدته أمثال محمد علي اسماعيل، أبو طلحة السوري، عبد اللطيف أسعد وهم سوريون.

ومن خلال رصد ومتابعة نشاطات هذا الإرهابي تبيّنت أمورٌ عدة أبرزها:

أولاً: افتقاد مجموعته الى الخبرة، إذ إنهم يزاولون أعمالاً مختلفة، مثل نجار الباطون سيف الدين عياش اسبر (مواليد 1990)، الذي أصيب بمرض خطير، وسليمان الدامرجي الذي عمل في تلبيس الحجر (مواليد حمص 1980)، ممّا يدلّ على أنّ أفعال العموري تشكّل خطراً صحّياً مباشراً على جماعته نتيجة سوء تعامله مع المواد الكيماوية والمتفجرة.

ثانياً: أُلقي القبض على عدد كبير من مساعديه الذين غرّر بهم واستخدمهم في أعماله مثل صناعة المتفجرات والأعمال الأمنية مثل: السوري سليمان محمد خالد الدامرجي، إسبر، أحمد عبد الكريم العموري "بو نزهة"، الموقوف عبد اللطيف محمد أسعد وابنه ملاذ الذي كان يعمل في فرن معجنات في كوشا وفي نجارة الباطون ومحلات ألبسة في سوريا.

غاز الكلور


حاول العموري تطويرَ صواريخ تحمل رؤوساً كيماوية صغيرة، لكنّ ما حصل أنّ محاولاته لم تؤدِ الى النتائج المرجوة، وتمّ إكتشاف عدم قدرته على تصنيع مثل هكذا نوع من الأسلحة المتطوّرة، لا بل إنّ عدم خبرته في هذا المجال أدّى الى إلحاق الضرر بالمجموعة التي تعمل معه. فالمعلوم أنّ المواد الكيماوية تحتاج الى فريق متخصّص للتعامل معها، كدراسة وتقنيّات عالية، ومختبرات متطوّرة.

لقد حاول العموري بداية أن يأخذ من لبنان قاعدة لإنطلاق عملياته الإرهابية، قبل أن يفرّ الى سوريا تاركاً العدد الأكبر من مجموعته يتساقط في يد الأمن اللبناني.

فقد سعى العموري الملقب بـ"أبو عبدو" الى القيام بأعمال إرهابية في لبنان، فعمل على تطوير غاز الكلور لاستخدامه كعنصر كيميائي حربي في الهجمات التي كان ينوي تنفيذها.

وحاول حتى بعد انتقاله الى سوريا، نقل العمليات الى داخل لبنان، وخطّط لشنّ اعتداءاتٍ على أهداف عدة باستخدام سيارات مفخّخة بالإضافة الى تجنيد انتحاريين لهذه الغاية، إضافة الى تنسيقه مع عبد اللطيف بن محمد أسعد، لاستبدال الرؤوس المتفجّرة لبعض الصواريخ برؤوس كيميائية، كما حاول تصنيع صواريخ في لبنان لإرسالها الى سوريا بمساعدة أسعد الذي تمّ توقيفه في لبنان.

أسيد وسماد


وبيّن الرصد الأمني أنّ العموري عمل أيضاً على تصنيع المتفجرات من مواد كانت عبارة عن غالونات تحتوي مادة الأسيد، وسعة كلّ غالون ثلاثين ليتراً، وأكياس تحتوي على نوع من السماد الزراعي وأكياس أخرى تحتوي على نوع من القطن الشبيه بالقطن الطبّي، وكانت تنقل هذه المواد ليلاً بسيارة المدعو وائل مثلج وعلى دفعات، وعندما تصبح الكمية كبيرة أي بين 6 أو 7 غالونات من الأسيد ونحو ألف كيلو من السماد الزراعي وكمية من القطن، يحضر "فان" الى عرسال وينقلها الى سوريا.

المطبخ


يستخدم العموري المطبخ التقليدي للقيام بتحضير الخلطات، حيث يعمل على صقل مادة "ماء الأوكسيجين" ومادة تُستخدم في صناعة الذهب (الزيبق)، ويطلب هذه المواد باستمرار كونه بحاجة ماسة اليها، ويقوم بطبخ المواد التي يحضرها ليحصل من خلالها على مواد متفجرة. لكنه لم ينجح بتأمين طرق آمنة وسالكة عبر الحدود السورية اللبنانية لإرسال متفجراته.

الصواريخ


أما كيف عمل على تصنيع الصواريخ؟ فقد كان العموري يُدخل حاسوبه الشخصي الى مكتب التنسيقية في حلبا، ويفتحه ويعرض صوراً لأقسام صاروخ أرض - أرض ويطلب من أحد مساعديه جمعها بشكل تظهر فيه كاملة بمقطع فيديو.

كما كان يحضر الى المركز قسطلاً من الألومنيوم ويزوّد مساعده بمقاييس محدّدة ويطلب منه مرافقة لؤي مثلج من أهالي حلبا الى مخرطة يعرف مكانها مثلج وتصنع قطع الألومنيوم. وبالفعل كان مساعده يتوجّه مع لؤي الى تلك المخرطة لينجزا المطلوب، لكنه كان يعود ويزوّدهما بقطعة أخرى مع قياسات لتنفيذها في مخرطة ثانية أكبر حجماً في بلدة كوشا - عكار.

وكان العموري ينتقل مع مساعده الى منزل صاحب المخرطة الصغيرة في حلبا، وهناك يقوم بتجميع هيكل وجسم الصاروخ الذي يبلغ طوله حوالى 150 سنتم ولا يحتوي على أيّ مواد متفجرة.

ويقوم مساعده بتصويره، وبعد ذلك يفكّك العموري ومساعده هيكل الصاروخ ويضعان القطع في "شوالات" بيضاء ويتركانها في المنزل. لكن بعد الفحص كان يتبيّن أنّ هيكل الصاروخ في حاجة الى تعديل، ما دفع العموري الى الانتقال الى مخرطة في سوريا لمتابعة محاولاته.

المساعدون


بعد سرد نشاطات العموري وطريقة عمله يبقى التعرّف الى أعضاء فريق عمله الذين تضرّروا من نشاطاته صحّياً وواجهوا إما الموت أو السجن، وأبرزهم:

السوري سليمان محمد خالد الدامرجي: من مواليد حمص وتعرّف الى العموري في شهر كانون الثاني من العام 2012 خلال تردده الى مكتب الإغاثة في حلبا. وبعد نحو شهر غادر العموري الى سوريا وتحديداً الى منطقة القصير في حمص ولحق الدامرجي به. ثمّ عاد الدامرجي الى لبنان بطريقة غير شرعية عبر جرود بلدة عرسال وكان مساعداً للعموري في صناعة العبوات الناسفة.

أُلقي القبض على الدامرجي وسُجن في رومية، وتواصل مع مخيم عين الحلوة، وحاول الحصول على جهازَي تفجير عن بُعد، ومواد متفجرة ومواد أوّلية لصنع العبوات وفق لائحتين زوّده بهما "أبو عبدو". وقام بتهريب أجهزة اتصال عبر الأقمار الاصطناعية من السوري سيف عثمان الملقب أبو الليث (اسمه الحقيقي هو سيف الدين عياش اسبر).

إسبر


سيف الدين إسبر: من مواليد بلدة حالات السورية، كان يعمل كنجار باطون وفي مزرعة دجاج في حالات. وما لبث أن سبّبت له تجارب العموري الكيماوية الفاشلة ما لا يُحمد عقباه، إذ إنّه أصيب بمرض خطير، وأُجريت له عملية استئصالٍ لأكياس وتورّمات عن الكبد، ومن حينها هو عاطل عن العمل، ولا معيل له سوى شقيقيه.

وكان أسبر يساعد كلّاً من وائل مثلج والعموري في نقل مواد أولية لصناعة المتفجرات من مكتب إغاثة النازحين السوريين في بلدة الشيخ محمد الى غرفة خاصة بالعموري، لكنّ إسبر اعتزل هذا العمل بسبب إصابته بالمرض الغامض في الكبد. من ثمّ اعترف لاحقاً أنه يفتقد الخبرة في صناعة المتفجرات أو العبوات الناسفة، وهذا دليل آخر على استغلال العموري الناس البسطاء، والإستخفاف بحياتهم.

الثلاثي السوري


استغلّ العموري (أبو عبدو) الأوضاع السورية، وشكّل فريقَ عمل تألّف من ثلاثة مساعدين في صناعة المتفجرات في حمص وهم: الملقب أبو طلحة ويبلغ من العمر نحو 25 سنة، وهو مصاب في يده اليسرى، الملقب أبو معاذ ومعروف أيضاً بلقب أبو خالد وعمره يقارب الـ25 سنة، أما مساعده الثالث فهو الملقب أبو خليل البيريني.

نزهة والشامي


اللبناني أحمد كريم العموري الملقب أحمد نزهة، وأبو ذر الشامي: سعى العموري معهما الى تطوير غاز الكلور لاستخدامه كعنصر كيميائي حربي في الأعمال الإرهابية، وارتبط نزهة بالمطلوب محمد عبد الرحمن العارفي الملقب أبو هشام في مخيم عين الحلوة والدامرجي، وطلب منه العموري التواصل مع معارفه في المخيم لاستلام جهازين يُستخدمان بالتفجير عن بعد من المتطرّف محمد اأمد الدوفي.

الكك ومثلج


نسج العموري علاقات مهمة وكثيرة مع عدد من اللبنانيين وهم: عبد الرحمن الكك ووائل مثلج وكانا يتواجدان برفقته بشكل دائم ولاحقاً انضمّ إليهم شخص سوري يدعى محمد الحريري وهو طالب جامعي يقيم أهله في الكويت، وقام العموري بمساعدة الكك ومثلج والسوري محمد الحريري بتصنيع عبوات ضدّ الآليات لاستخدامها في سوريا إضافة الى صواريخ مضادة للدبابات، لم تثبت فاعليّتها.

الكردي

أبو علي الكردي: يبلغ نحو 25 سنة، وقد غادر الى سوريا ويتواجد في جبل الزاوية مع تنظيم "داعش"، وما زال يعمل في مجال تصنيع العبوات والصواريخ.

إسماعيل

محمد علي اسماعيل ملقب بـ"الخال": يعمل في مجال تصنيع العبوات والمتفجرات وتزويدها بمواد كيماوية، وكان مكلّفاً من العموري باستقبال السوري جبريل الخلف في طرابلس وتحضيره وتدريبه على صناعة واستخدام المتفجرات مع إمكانية استخدامه لاحقاً بتنفيذ عملية إنتحارية في لبنان 2014.

ملاذ أسعد


ملاذ عبد اللطيف أسعد: مواليد 1995، موقوف، كان يقضي معظم وقته مع العموري، ويساعده في تصنيع الصواريخ والعبوات.

يُعتبر العموري وشقيقه عبد الله العموري وهو صيدلي يعاونه في سوريا، من أخطر الإرهابيين الملاحقين من الأجهزة الأمنية العالمية لأنهما يستخفّان في التعامل مع مواد كيماوية سامة وخطيرة جداً ومحظَّرة دولياً، ولا يملكان الخبرة الكافية والمطلوبة، ولأنهما يشكلان خطراً على كلّ مكان يتواجدان فيه، وعلى مَن يقترب منهما أو يتعامل معهما، كما على كلّ مكان قد تصل متفجراتهما البدائية اليه.

(آلان سركيس - الجمهورية)