تتصاعد أزمة التيار الوطني الحر في لبنان الأمر الذي يهدد بانقسامه، خاصة وأن رئيس التيار الوزير جبران باسيل لا يبدي أي نية في التراجع عن مسلكه الاحتكاري لسلطة القرار.
ويشهد التيار البرتقالي حركة احتجاج واسعة، وباتت وسائل التواصل الاجتماعي مسرحا لعرض صور بطاقات الانتساب الممزقة التي يعرضها ناشطون في التيار على صفحاتهم الخاصة كتعبير عن احتجاجهم على منطق الإقصاء الذي وصل إليه التيار البرتقالي.
وراجت أخبار الاستقالات الجماعية في صفوف الوطني الحر في بعض المناطق، وخرجت إلى العلن أنباء عن نزاعات حادة بين أنصار الوزير باسيل ومناوئيه الذين يضمون نخبة من أبرز قيادات التيار والبعض من الوجوه التي رافقت انطلاقة “الحر” ونشأته الأولى.
واندلعت الخلافات داخل التيار مع تولي الوزير جبران باسيل دفة القيادة، بتزكية من قبل مؤسس الحزب ميشال عون.
وعززت سياسة باسيل الإقصائية من حركة “التمرد” داخل الحزب، حيث أنه بدل احتواء رافضيه لتولي المنصب الذي كانت هناك أسماء عدة راغبة به، اختار نهج التصعيد ومحاولة عزل تلك الأسماء.
وقد شكلت الانتخابات البلدية في بيروت انعطافة حرجة إذ بدا التيار العوني غير قادر على التحكم بسلوكات العناصر المنتمية إلى صفوفه حيث خرج جزء كبير من القاعدة العونية على التحالف مع سعد الحريري، وصوت لصالح لائحة “بيروت مدينتي” ما أدى إلى تجميد عضوية القيادي البارز في صفوف التيار زياد عبس.
ولم تتوقف تداعيات الانتخابات البلدية في بيروت عند هذا الحد بل إن آثارها شكلت تمهيدا للانفجارات اللاحقة في صفوف التيار، فهي كانت قد أبرزت الخلافات الحادة بين قيادييه من قبيل الخلاف بين زياد عبس والوزير السابق نقولا صحناوي.
الأمر الأكثر أهمية الذي كشفته تلك الانتخابات كان إظهار ضعف التحالف المسيحي المسيحي بين التيار والقوات اللبنانية، وهو ما دفع مؤخرا القيادي في التيار نعيم عون نجل شقيق الجنرال إلى الخروج إلى الإعلام وطرح أزمة التيار من زاوية وجودية واسعة، وهو أمر غير مألوف ويشكل تطورا بارزا في ملف أزمة التيار البرتقالي.
وطرح نعيم عون مسألة نهاية التيار الوطني الحر، وحمّل بشكل غير مسبوق الجنرال عون شخصيا وجبران باسيل المسؤولية عما آل اليه الوضع الداخلي، وربط الموضوع بجملة من العناصر تتجاوز حدود الصراع داخل التيار، وتصل إلى حدود السؤال الوجودي عن مصير المسيحيين في لبنان في ظل تسويات قادمة لن يكون فيها أي دور لأي طرف لا يتمتع بالقوة والمناعة والقدرة على لعب دور فاعل ومؤثر.
انتقادات نعيم عون الحادة وهجومه على باسيل في هذه اللحظة ينطلقان من عدة أسباب وينبنيان على عدة عوامل.
العامل الأبرز والمباشر يعود إلى أن لدى نعيم والكثير من العونيين إيمانا واضحا بعدم قدرة التيار على البقاء بعد رحيل الجنرال عون، حيث أن الكثير من التسويات التي تتم داخل التيار تمر عبر الأخير الذي يتمتع بهالة معنوية هائلة، ولكن الأمر لن يكون ممكنا بعد رحيله حيث أن عددا كبيرا من القياديين لن يقبلوا بأن يرث جبران باسيل تلك الهالة. تاليا لن تكون التسويات، التي تقبلها كبار الشخصيات العونية على مضض بناء على تمنيات الجنرال، قادرة على الاستمرار من بعده.
تزامنت أزمة التيار مع تصاعد الحديث عن ارتفاع حظوظ عون الرئاسية في إطار تسويات ستنشأ في الأشهر القادمة
وأشار نعيم عون في أحاديثه الإعلامية إلى سحب الحق في المشاركة في القرارات المصيرية من العونيين، بحيث باتت الكتلة الأكبر من منتسبي التيار كتلة صماء لا رأي لها ولا قدرة على المشاركة في القرارات، كما عقد مقارنة لافتة بين المحكمة الداخلية للتيار وبين المحكمة العسكرية التي اعتادت على التنكيل بالعونيين أيام نفوذ النظام السوري في لبنان ووجد أن المحكمة العسكرية كانت اكثر رحمة ووضوحا.
حديث نعيم عون العلني هو مؤشر لأزمة كبيرة لن تقف حدودها عند التصريحات التلفزيونية.
ويرى محللون أن العناصر الفاعلة في تلك الأزمة تقود إلى طرح مخاوف أكبر بكثير حيث أن التفاهم العوني القواتي لم يستطع أن يخلق قرارا مسيحيا موحدا يكون له أثر حاسم في الكثير من الملفات التي يعتبر المسيحيون أنها تمسهم مباشرة من قبيل مسألة الرئاسة وموضوع القانون الانتخابي.
يضاف إلى ذلك أن عددا كبيرا من العناوين المهمة مازالت خاضعة للخلاف بين القوتين المسيحيتين، ما يعني أن الأمور بينهما لم تصل إلى خلق حالة تحالفية متينة وفاعلة كتلك التي تسم تحالف أمل وحزب الله مثلا، وأنها ليست سوى اتفاق مرحلي.
ويقول محللون إن هذا العامل يطرح على التيار الوطني بشكل خاص تحديات كبيرة أكثر من أي طرف آخر كونه الطرف الذي يعتبر نفسه الأكثر تمثيلا للمسيحيين.
وتدرج مصادر أخرى المخاوف المسيحية من التنامي الديمغرافي الاسلامي في عداد الأسباب التي دفعت بنعيم عون إلى إعلان ضرورة نشوء حركة تصحيحية داخل التيار في هذه اللحظة.
وكان نعيم عون صرح بأن المسلمين في لبنان أذكى من المسيحيين، ويجيدون المحافظة على وحدتهم رغم خلافاتهم وهو ما سيمنحهم دورا فاعلا في أي طاولة حوار ستعقد في المنطقة.
الكثير من التحليلات اعتبرت أن هذه المواقف تخفي قلقا وجوديا عميقا من تنامي الحضور الديموغرافي الإسلامي، وتدعو إلى تدارك الكارثة عبر تأمين وحدة التيار العوني الذي يشكل مدخلا لا غنى عنه لتأمين وحدة مسيحية.
وتزامن أزمة التيار العوني مع تصاعد الحديث عن ارتفاع حظوظ الجنرال الرئاسية في إطار تسويات ستنشأ في الأشهر القليلة القادمة، يطرح عدة أسئلة حول تأثيرها على صورة الجنرال عون كمرشح رئاسي قوي.
ويستبعد متابعون قدرة الجنرال على احتواء موجة التمرد على صهره باسيل، الذي لا يبدو أنه بصدد القيام بنقد ذاتي، وإعادة مد الجسور مع الأطراف المعارضة له داخل التيار.
ويظهر ذلك جليا من خلال تلويحه، عبر لجنة الإعلام المركزية، باجراءات عقابية، الأربعاء، ضد كل من قام بـ“إطلالات إعلامية مسيئة”، “وكل مخالف لقرارات القيادة الحزبية”.
شادي علاء الدين: العرب