كان لافتاً أنّ الإنقلاب التركي الفاشل الذي فرض نفسه على أولويات دول الجوار والعالم شكّل مبعثاً للحديث عن مكاسب في معظم هذه الدول، كلّ منها لأسباب مختلفة عن الآخر. وهو ما طرح السؤال: كيف لمثل هذا الإنقلاب الذي لم يكتمل أن يُوزّع الأرباح على هذه الدول؟ فهل صحيح أنّ القيادة التركية الأردوغانية وحدها هي الخاسرة؟ وكيف؟يعترف مرجع ديبلوماسي مهتم بالشؤون التركية بأنّ التوقيت الذي اختير للإنقلاب فرض وقائعه أولاً في لائحة الإهتمامات الديبلوماسية والأمنية لدول المنطقة لأكثر من سبب. فاللحظة التي اختارها الإنقلابيون لتنفيذه كانت من أدق اللحظات التركية والعالمية نظراً الى وقوعه في وقت تشكل فيه تركيا حجَر الزاوية في كلّ المساعي المبذولة حول الأزمة السورية على مساراتها العسكرية والسياسية والديبلوماسية، كما بالنسبة الى بقية الأزمات التي تعصف بالإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية من جهة وموسكو من جهة أخرى.

وتركيا بموقعها الجغرافي، هي على تماس مع الأزمة السورية بكلّ تفاعلاتها الإقليمية والدولية والكيان الكردي المحتمل على حدودها الجنوبية. وهي من خلال عضويتها في حلف الناتو وإطلالتها على البوسفور لا تبعد كثيراً عن معالجات الملف الأوكراني وأزمة الدرع الصاروخية ودول أوروبا الشرقية وليدة تفكّك الإتحاد السوفياتي السابق لما هناك من ترابط وتداخل بين مجمل هذه القضايا.

ولهذه الأسباب مجتمعة، إتخذت المواقف الأوروبية والغربية والعربية من الإنقلاب التركي كلّ هذه الأبعاد الإقليمية والدولية. لذلك تتركّز الأنظار على الأسلوب المعتمَد في معالجة تردّداته في الداخل التركي بمختلف الوسائل الأمنية والعسكرية والقضائية والإدارية لأنه وفي ضوئها ستحلّل ردات الفعل على ما حصل. ذلك أنّ ردّ فعل الرئيس رجب طيب أردوغان وإدارته فتحا ملفاتٍ أخرى على علاقة بسعي تركيا الى دخول «جنة الإتحاد الأوروبي» مع علمه بأنّ ممارسات كهذه تعقّد الإنتساب وخصوصاً عندما يتصل الأمر بما يسمّونه الإنتهاكات المرتكبة بحقوق الإنسان.

من هذه الخلفيات بالذات، ينطلق الديبلوماسي في قراءاته لردات الفعل على الإنقلاب التركي محاولاً قراءة النتائج. فسجّل انعاكاساته السلبية على الوضع الداخلي التركي بوجوهه المختلفة في ما يتبارى المحيط بالمكاسب التي أدّى اليها الإنقلاب كلّ حسب هواه ولأسباب مختلفة.

قبل التثبّت من فشل الإنقلاب، إنبرى بعض الأنظمة والدول الى الترحيب بإسقاط أردوغان ولو لساعات قليلة وراحت وسائل إعلام موجهة تبتدع مفاوضات وهمية أجراها الرئيس التركي تارة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وأخرى مع المستشارة الألمانية انجيلا ميركل طلباً للجوء السياسي مؤكدين أنها فشلت ولم يحظَ أردوغان بأيّ موطئ لجوء، فيما كان الرجل في طائرته الخاصة يتصدّى للإنقلابيين ومعه القادة الكبار في الجيش وحكومته كاملة ويحاول الهبوط في مطار اسطنبول بعد فشل الهجوم الذي دُبِّر على مقرّه الموقت في مرمريس مخاطباً شعبه للنزول الى الميادين والتصدي للإنقلابيين.

وما إن بزغ الفجر يوم السبت 16 الجاري على تركيا حتى انقلبت الصورة وثبت سقوط المحاولة، فانتقلت السيناريوهات الى تحديد الجهات التي كسبت جراء الإنقلاب رغم فشله، فتوزعت على الدول الكبرى والصغرى في آن، وكأنّ الخاسر الوحيد كانت تركيا الدولة ورئيسها حصراً.

فكيف يمكن ترجمة هذه المعادلة؟

يقول الديبلوماسي: من حق الولايات المتحدة الأميركية وروسيا معاً الحديث عن مكاسب لهما بمجرّد سقوط الدور التركي في الأزمة السورية بوجهيها السوري الداخلي والكردي المتفرّع منها. فالدولتان ترغبان في الإمساك بالملف دون حلفائهما كما ظهر أخيراً، وترفضان الموقف التركي من المسألتين معاً، والتاريخ يشهد على سلسلة خلافات بينهما زاد منها الإتهام التركي لواشنطن بوقوفها الى جانب الإنقلابيين جراء حمايتها للمتهم الأول به الداعية التركي فتح الله غولن.

ومن حق السوريين والعراقيين الاحتفال بالإنقلاب، فهو وضع حدوداً لطموحات أردوغان في سوريا والعراق وبات عليه الإنكفاء الى الداخل قبل التطلّع الى أدوار مرفوضة له داخل الدولتين. وعبر هذا الترحيب المزدوج يمكن إضافة الرهان الإيراني الرابح بأنّ عدواً لهم سقط في المواجهة السورية ولم تبقَ في الميدان سوى السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة.

وعلى مستوى دول الخليج العربي، لم يسَجل أيّ تعاطف بارز مع أردوغان قبيل الإنقلاب وبعده سوى من المملكة العربية السعودية. فخلافاته مع الدول والإمارات الأخرى وخصوصاً قطر ليست خافية على أحد، وقد ظهرت الى العلن منذ وقت غير قريب جراء خلافاته مع النظام المصري.

على هذه الأسس، تُبنى النظرية التي تزيد من عزلة تركيا في هذه المرحلة بالذات وانصرافها الى ملفاتها الداخلية، ما يُعزّز نظرية فشل الإنقلابيين والسلطة التي انقلبوا عليها، فيما توزعت الأرباح على بقية الأنظمة والدول. والمواقف المعلنة وغير المعلنة خير شاهد على صحة هذه النظرية. فهل بقدرة أردوغان الإنقلاب مجدداً على هذه المعادلة. الجواب ليس سهلاً وعلى الجميع انتظار عام على الأقل للإجابة عنه. فلننتظر!؟

الجمهورية   :  جورج شاهين