اللعب في الوقت الضائع، حتى الربيع المقبل الاجترار الدستوري، والسياسي، والاقتصادي. وبحسب مصادر السراي الحكومي فقد حاول الرئيس تمام سلام، لدى استقباله السفيرة الاميركية في بيروت اليزابيت ريتشارد، وهي الآتية للتو من واشنطن، ان ينترع منها اي كلمة تتعلق بموقف بلادها من الاستحقاق الرئاسي في لبنان...
وتبعاً لهذه المصادر فان رد ريتشارد ان المسألة «في يدكم لا في يدنا» وهي التي تعلم مدى الاصطفاف اللبناني على الجبهات الاقليمية. واذ لا يستطيع لبنان الانفكاك عن هذه الجبهات، بالرغم من ذلك الشعار الفلولكوري (النأي بالنفس)، فما ارادت السفيرة الاميركية قوله ان الملف الرئاسي بات رهن الاشتباك الاقليمي.
ديبلوماسيون في بيروت يصفون السجال السياسي الدائر بـ«الكوميديا اللبنانية» فالافرقاء يعلمون اين هو الملف الرئاسي الذي ليس عالقاً في مكان واحد وعند جهة واحدة، ومع ذلك فكل فريق يتهم الآخر بانه مسؤول عن التعطيل، وبالطبع بعد اختراع الحيثيات التي تعزز وجهة نظره...
وحين كان السفير الفرنسي السابق باتريس باولي، وهو الآن مسؤول دائرة الشرق الاوسط في الكي دورسيه، سيلتقي بعض الشخصيات اللبنانية خلال زيارته الاخيرة لبيروت، كان ينصح بالحد من السياسة والاكثار من الاقتصاد.
لم يقل ان الساسة يخدعون اللبنانيين ويقفزون فوق المشاكل الضاغطة على اعصاب وعلى جيوب الناس، لكنه اعتبر ان اللبنانيين يستحقون الاهتمام، وبالتالي تخليصهم من الازمات اليومية التي يتخبطون بها، ليسأل امام مرجع روحي ما اذا كانت ازمة الكهرباء مرتبطة بازمة الشرق الاوسط ام بمصالح  المافيات.
الديبلوماسيون اياهم يسألون ما اذا كان اركان الطبقة السياسية يريدون، فعلاً، رئيساً للجمهورية، ام عراباً للمافيات التي تتحكم بكل مفاصل البلاد. مثلما يقول اللبنانيون يقول الديبلوماسيون. نجوم السياسة يريدون «رئيساً من الكاوتشوك» في قصر بعبدا وقابلاً للبيع والشراء...
لا جديد لدى الذين يقولون ان المنطقة في الثلاجة، ولو كانت ثلاجة النار، الى ان ينتخب رئيس جديد في الولايات المتحدة ويدخل الى البيت الابيض ويضع اولوياته في الشرق الاوسط.
الديبلوماسيون يعتبرون ان كل الاحداث التي تجري تعمل لمصلحة المرشح الجمهوري دونالد ترامب الذي تم تكريسه مرشحاً رسمياً للحزب. يعتبرون ان المنطقة ستكون امام وضع غرائبي لان ترامب، في حال وصوله، سيسعى من الخطوة الاولى الى احداث تعديل دراماتيكي في قواعد اللعبة في المنطقة.
وهم يقولون ان الاحداث في تركيا اثرت الى حد بعيد في مسار التطورات على امتداد الشرق الاوسط، فالذي ظهر للعيان ان تركيا امام مفترق خطير. الاعتقالات والاقصاءات فاقت التصور، وهناك اجهزة استخبارات غربية تتحدث عن ملايين الاشخاص على لائحة الاستخبارات التركية.
حتى انه في الجلسة الحوارية الاخيرة بين تيار المستقبل و«حزب الله» بدا واضحاً من سياق المناقشات ان الانعكاسات الاقليمية للازمة التركية التي لم تنته ولن تنتهي فصولاً في حال من الاحوال، ستجعل الامل ضئيلاً جداً حيال انجاز الاستحقاق الرئاسي...
والسبب ان التطورات التركية احدثت تغييراً في طبيعة الصراعات او النزاعات...
بيان الحوار الثنائي اشار الى ان المجتمعين توقفوا امام ازدياد الحاجة الى تفعيل المؤسسات الدستورية، لا سيما المجلس النيابي نظراً للاستحاقات التي تفرض نفسها على اكثر من صعيد، وبخاصة التشريعات المالية الضرورية.
كلام عام وضبابي، ولا يتضمن اي اشارة الى ثلاثية طاولة الحوار في 2 و3 و4 آب المقبل، وليس هذا السبب الوحيد الذي يجعل التفاؤل يتراجع حيال نتائج الحوار، مع دعوة النائب وليد جنبلاط الى وضع الاستحقاق الرئاسي في عهدة السفيرة الاميركية اليزابيت ريتشارد، لعل الادارة الجديدة تكتشف ان الدعم الامني للبنان لا يكفي، ولا بد من المؤازرة السياسية.

ـ ارتباك الرياض وطهران ـ

الغرب والشرق منشغلان بالاحداث التركية التي تجمع الدول الكبرى على القول ان ارتداداتها ستكون ذات ابعاد استراتيجية. الكل في حالة ارتباك، في الرياض كما في طهران، السعوديون والايرانيون الذين يرخون بظلالهم على الساحة اللبنانية معنيون بالتطورات التركية لانها تحدد مسار الازمات في المنطقة...
وهنا ينقل رجل اعمال بارز عن مسؤول اميركي قوله «ان ازمتكم من الدرجة الثالثة». الازمة السياسية تحديداً، وما يعني واشنطن حالياً الا يخترق «داعش» الداخل اللبناني ويتمدد نحو شاطئ المتوسط.
المسؤول استخدم تعبير «آخر عربة في القطار»، المقصود قطار التسويات بطبيعة الحال، فيما ينقل عن النائب وليد جنبلاط تساؤله ما اذا كان دونالد ترامب قد سمع بدولة تدعى لبنان.
وبحسب ما ينقله مصدر مقرب منه، فان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي الذي يعرف كيف يقرأ التطورات، ويعرف كيف يوجه الانظار الى زاوية او زوايا اخرى شديد القلق حيال انتخاب المرشح الجمهوري الذي يعتبر هنري كيسنجر بمثابة مرشده الاستراتيجي، وهو الذي كان يرى في لبنان فائضاً جغرافياً يمكن استخدامه لتسوية ازمات المنطقة بما فيها الازمة الفلسطينية - الاسرائيلية.
ترامب قد «يخربط» كل قواعد اللعبة في المنطقة التي قد تدخل في متاهة اخرى، وعلى هذا الاساس يفترض باللبنانيين، وكما يقول جنبلاط، ان ينتبهوا الى ما يمكن ان يحصل اذا ما دخلت المنطقة في مرحلة اكثر تعقيداً من الاضطراب الاستراتيجي، مع التشديد على استعجال التسوية.
وتشير المعلومات الى ان رئيس مجلس النواب نبيه بري على توافق تام مع جنبلاط في وضع المتحاورين في عين التينة امام الاحتمالات، مع التأكيد على ضرورة عدم الاخذ ببعض النظريات او بعض الدعوات الى انتظار الادارة الاميركية الجديدة.

ـ طهران تبيع الرئاسة ـ

في 14 اذار يقولون  ان طهران تفضل ان «تبيع» الرئاسة اللبنانية الى الطاقم الجديد في واشنطن، وفي8 آذار يقولون ان الرياض التي تحدث وزير خارجيتها عادل الجبير عن خلاف في وجهات النظر بينها وبين واشنطن، ترى ان هيلاري كلينتون هي الرئيسة المقبلة «حتماً»، وان سياسة هذه الاخيرة لن تكون على شاكلة سياسة ادارة باراك اوباما، بل هي قد تقود حملة عسكرية لاسقاط النظام في سوريا بالتعاون الميداني مع الحلفاء.
وهنا تطرح الاسئلة حول الهدف الحقيقي من توجه الرجل القوي في المملكة ولي ولي العهد الامير محمد بن سلمان الى واشنطن وهو الذي عاد منها منذ اسابيع قليلة بعد جولة سياسية واقتصادية وتكنولوجية واستراتيجية طويلة و«مثمرة». بطبيعة الحال سيكون هناك بحث في الوضع التركي، وفي امكانية حدوث تبدل كبير في المعادلات التي حكمت المسرح السوري على امتداد السنوات  الخمس المنصرمة، مع عودة السعودية الى طرح الخيار العسكري، وبعدما اقتنعت ان دخولها منفردة الى الساحة السورية المعقدة سيكون بمثابة «فيتنام سعودية» عملية صعبة (وهذا كان رأي الامارات العربية المتحدة).
وبمعنى آخر، فان الرياض ستحث الادارة الاميركية على عدم ترك جبهات سورية محورية تتداعى امام انشغال رجب طيب اردوغان الطويل، والطويل جداً، بمعالجة التفاعلات الخطيرة في بلاده.

ـ مسلسل النفط والغاز ـ

الى ذلك، لم تسفر الاتصالات والمشاورات التي حصلت عن حلحلة وشيكة في مسلسل النفط والغاز. وكلام كثير عن تدخلات خارجية، وعن صراع مصالح، وعن عودة الى الطرح الاميركي القديم بان التداخل الجيولوجي بين لبنان واسرائيل في قاع البحر يستدعي تداخلاً استراتيجياً اذا ما ارادت السلطة اللبنانية ان تستثمر تلك الثروة على افضل وجه.
وهذا الطرح يستند الى «واقع» يقول بان لبنان لا يستطيع ان ينجح في تسويق مستخرجاته من الغاز اذا لم يكن ذلك في اطار كارتل اقليمي يتحكم بشبكات الانابيب، كما بوسائل التسويق، ناهيك عن لعبة الاسعار...
ويعترف احد الوزراء بان الذي سمعه من جهات خارجية معنية على نطاق واسع بمسائل الطاقة جعله يميل الى التشاؤم، فالمسألة لا تتعلق فقط بالخلاف مع اسرائيل حول حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة، بل ان وضعاً تنافسياً سيحصل تكون فيه قبرص واسرائيل ومصر في معسكر واحد، ومعها تركيا، حيث الطريق الى اوروبا، سيكون لبنان وحيداً...
وهنا يجري الحديث عن تواصل بين فريق لبناني مؤثر وجهات عربية وصلت احداها الى حد القول بان الخطة الاولى التي يفترض ان يقدم عليها لبنان في هذا المجال هي تأمين مظلة دولية للملف بابعاده الاستراتيجية.
اسئلة وراء الستار حول صحة ما يتردد ديبلوماسياً من ان دولة عربية لا تريد للبنان ان يدخل عصر النفط والغاز في ظل المعادلة الراهنة، والى حد القول ان الغاز يستخرج حين تخرج صواريخ «حزب الله» من المعادلة.