استخدمت القاصة والروائية البريطانية زادي سميث صفحات مجلة "ذي نيويورك ريفيو أوف بوكس" نصف الشهريّة في الولايات المتحدة الأميركية لتطلّ على اللحظة السياسيّة البريطانية الأبرز في الآونة الأخيرة، في نصّ أرادته مترفّعا عن التلاوين اللفظيّة وسمّته عن سابق تصميم ووعي "الأسوار: يوميّات بريكسيت"، في إحالة إلى المُصطلح المستخدم سياسياً لرصد حدث خروج بريطانيا العظمى من بيئتها الأوروبيّة.
حين تقرّبت مجلة "لو ماغازين ليتيرير" الفرنسيّة من موهبة زادي سميث وصفتها بـ "اللبوة ذات الأصوات المُختلطة" مقترضة، وإن على نحو تحريفي، عنوان نصها الروائي الأول بالفرنسيّة "ضحكات اللبوة" (و"الأسنان البيض" بالإنكليزية)، وحيث استقدمت جملة "الماضي هو المقدمة" الإستهلالية لتُنكّه مسار السرد، منذ البرهة البكر، فيتيسّر لها أن تتعرّج بين مصائر ثلاث أسر من أصول أثنيّة مختلطة ومتورطة في حال من التمزّق.
لا يمكن اختزال سميث بتحدّرها من أب بريطاني وأم كان مسقطها جامايكا لنحاول الإحاطة بتجربتها الكتابيّة ذلك انها نأت بنفسها مبكراً عن الأدب الأنويّ والمضجر مبدية رغبتها في الإنخراط في معارك تأليفية تجد ملاذها في مرتع الفكاهة وفي الألعاب اللغويّة من دون إهمال التفاصيل. غير أن "التهجين" الجينيّ جعلها بلا ريب أشدّ تفاعلاً مع المنحى الإنغلاقي الذي سلكته بريطانيا أخيرا وهي البلاد "التي نراها ترفع سورا من حولها لتنفصل عن باقي أوروبا، من دون أدنى تفكير بما يعنيه ذلك لأبناء عمّنا الأسكوتلنديين والإيرلنديين، شمالاً وغرباً"، على ما تكتب، سميث، في يومياتها في "ذي نيويورك ريفيو أوف بوكس".
في أعقاب الإستفتاء التاريخي ها إن الكاتبة سميث تلوذ بكمّ من الإستفهامات المتفرّقة، كأنها لن تعُد تدرك من أين يمكن استنباط الجوابات. نقرأها تكتب "أتَت أفكاري الأولى في هيئة تفسيرية. ما الذي يعنيه هذا التصويت؟ ما هو موضوعه فعلا؟ الهجرة؟ اللاعدالة؟ كراهية الغرباء التاريخية؟ السيادة؟ بيروقراطية الإتحاد الأوروبي؟ الثورة مناهضة للنيوليبرالية؟ الحرب الطبقيّة؟".
ثم تروح تستند إلى الحكايات المعيشة البسيطة لوصف مناخ عامّ إستبدّ بوطن برمته. تخبر عن أمها المولودة في جامايكا التي واجهت وقبل أسبوع على إجراء الإستفتاء، أحد المتطرفين الإنكليز. صاح الرجل حليق الرأس Über Alles Deutschland!" أي "ألمانيا فوق الجميع" وكأن العقود الأوروبيّة السيئة الذكر انبثقت مباغتة. تروي سميث أيضا كيف التقت والدتها أيضاً وفي اليوم التالي على الإستفتاء بإحدى السيدات في محل لبيع المناشف لم تلبث أن بادرتها وغيرها من ذوي الأصول الأفريقية وبلهجة الاستنتاج "حسنا، ينبغي لكم جميعاً الآن أن تعودوا إلى بلادكم"!
في روايتها "في شأن الجمال" إستمهلت سميث الصدام بين القيم الليبرالية والمحافظة ورصدت التباينات بين الأعراق وحامت أيضاً حول ثيمة الهوية متأملة ضرورة توقف المرء عن القلق في هذا الخصوص. دعَت سميث إلى استنباط مبادرة شخصيّة تجعل كل الكلمات ذات مغزى، وإن عنى ذلك اختيار المقترب الصعب والمركّب والممّهد للوحدة.
أضافت قبل نحو أحد عشر عاما وكأنها تتوجه إلى "إنفصاليي" اليوم في 2016 "هذه هي الصفقة. ينبغي لكَ العيش، ولا يسعك العيش من خلال الشعارات والأفكار الميتة والكليشيهات والأعلام الوطنية. من السهل أن تجد الهوية. في الواقع إنها أسهل الطرق المُفضية إلى الخارج".
رلى راشد