اعترف رجل الدين الشيعي العراقي مقتدى الصدر، بتراجع زخم الحراك الاحتجاجي الذي يقوده في الشارع تحت يافطة محاربة الفساد والمطالبة بالإصلاح. وبرّر زعيم التيار الصدري أسباب عدم مشاركة الكثير من العراقيين في المظاهرات التي يقودها، بالتخوف من بعض متشددي التيار.
لكّن متابعين للشأن العراقي رأوا في ذلك بوادر تغير في مزاج الشارع العراقي وتراجع ثقته في الصدر بعد أن تبيّن له أن الأخير يُخضع الحراك الاحتجاجي لحساباته السياسية ويوظّفه في صراعه على السلطة مع باقي كبار قادة ورموز الأحزاب الشيعية.

وراجت منذ بداية الأسبوع الجاري عبر مواقع التواصل الاجتماعي دعوات للتظاهر، الجمعة، في بغداد بشكل مستقل عن التيار الصدري، أو أي تيار ديني أو سياسي آخر.

ودعا مطلقو تلك الدعوات العراقيين بمختلف أعراقهم ودياناتهم وطوائفهم للخروج إلى الشارع، معتبرين أن سوء الأوضاع هو أقوى عوامل توحيد العراقيين في الوقت الراهن.

وقال الصدر، في معرض رده على سؤال لأحد أتباعه بشأن عدم خروج الكثير من المواطنين في المظاهرات المطالبة بالإصلاح، إن “الأسباب التي تقف وراء ذلك هي الخوف من المجهول، وأيضا من متشددي التيار، فضلا عن عدم معرفة البعض الآخر بمشروع الإصلاح بصورة واضحة”.

وشهدت العاصمة العراقية بغداد، الجمعة الماضي، مظاهرة كان دعا إليها الصدر وطالب بأن تكون مهيبة، لكنها خالفت التوقّعات من حيث عدد المشاركين فيها والشعارات المرفوعة خلالها، حيث حرص الصدر ذاته على عدم تعرّضها لإيران التي كثيرا ما كانت موضع غضب المتظاهرين باعتبارها سببا رئيسيا في تردّي أوضاع البلد عبر دعمها ومساندتها لنظام الأحزاب الدينية الموصوم بالفساد وبالعجز عن إدارة شؤون الدولة.

ويرى عراقيون أنّ زعيم التيار الصدري أضرّ كثيرا بالحراك الاحتجاجي الذي كان قد انطلق الصيف الماضي بصفة عفوية بدافع الغضب من سوء الأوضاع في البلد ومن استشراء الفساد في مختلف مفاصل الدولة.

قناعة لدى شرائح واسعة من العراقيين باستحالة إصلاح النظام القائم، وبأن بقاءه يشكل خطرا على الدولة العراقية
وبدا أن ذلك الحراك بصدد التحوّل إلى ثورة شعبية عارمة ضد النظام القائم الذي تأكّد العراقيون بعد 13 سنة من إنشائه على يد الولايات المتحدة وبالتعاون مع إيران من استحالة إصلاحه، واستقرت قناعة لديهم بأن استمراره يشكل خطرا على الدولة العراقية ويدفعها إلى حافّة الفشل والانهيار.

ورغم أن الصدر خصم لدود لعدد من كبار قادة ورموز العملية السياسية، وفي مقدّمتهم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الذي يقود حزبه الحكومة، فإن دخول زعيم التيار الصدري على خطّ المظاهرات والاحتجاجات انطوى على فائدة للنظام القائم.

وصعّد الصدر مطالباته بإقالة الحكومة وتعيين أخرى من التكنوقراط. وتسبّبت المظاهرات والاعتصامات التي قادها في اضطرابات شهدتها العاصمة بغداد حين اقتحم أنصاره المنطقة الخضراء ودخلوا مبنى البرلمان، وهاجموا مقرات الأحزاب في العاصمة وعدد من المحافظات. ومع ذلك فقد ظلّ الحراك الصدري بعيدا عن تهديد أسس النظام القائم، وعن المطالبة بتغييره.

وأضرّ زعيم الصدريين بالحراك الاحتجاجي العفوي بأنّ زجّ به في أتّون الصراع السياسي بين أجنحة وفروع العائلة السياسية الشيعية، كما أضفى عليه طابعا طائفيا، حيث أن المشاركين في اعتصامات الصدر ومظاهراته هم بالأساس من أتباع تياره.

ويتوقّع مراقبون أن يتراجع زخم المظاهرات التي يقودها مقتدى الصدر خلال الفترة القادمة، وقد تنجح حكومة حيدر العبادي في إبرام صفقة معه يتخلى بموجبها عن قيادة الاحتجاجات مقابل منحه بعض المكاسب السياسية مثل إسناد المزيد من الحقائب الوزارية لتياره.

كما لا يستبعد هؤلاء أن تتدخّل إيران ذات النفوذ والسطوة على الحياة السياسية العراقية لإجباره على وقف ضغوطه على حكومة العبادي.

غير أنهم يستدركون بأن ذلك لن يعني بالضرورة توقف الحراك الاحتجاجي في العراق، حيث لا تزال الأسباب التي دفعت العراقيين للخروج إلى الشارع قائمة، بل ازدادت الأوضاع سوءا وتصاعدت حدّة الأزمات على مختلف الصعد الاجتماعية والاقتصادية والأمنية. وسيكون ابتعاد زعيم التيار الصدري عن الحراك الاحتجاجي مفيدا له بأن ينأى به عن الصراعات والحسابات السياسية ويجعل منه حراكا مدنيا خالصا.

ويؤكّد عراقيون على وجود تيار مدني حقيقي في البلد يجهد لأخذ موقعه على خارطة سياسية تهيمن عليها الأحزاب الدينية.

ويرى مراقبون أن تفاقم الأوضاع وانعكاسها المباشر على الحياة اليومية للمواطنين، يرشّحان العراق مستقبلا إلى الدخول في موجة أشد من الاحتجاجات قد ترقى إلى ثورة شعبية سيكون من الصعب على مقتدى الصدر وأدها كما فعل خلال موجة الاحتجاجات الأولى التي تمكّن من ركوبها وتوجيهها بعيدا عن تهديد أسس نظام الأحزاب الدينية.

صحيفة العرب