توعدت السلطات التركية أمس باجتثاث أنصار رجل الدين المقيم في الولايات المتحدة فتح الله غولن الذي تتهمه بتدبير محاولة الانقلاب الفاشلة الأسبوع الماضي، بينما توسع نطاق عملية تطهير كبيرة في الجيش والشرطة والقضاء.
وقالت السلطات إنها أوقفت عن العمل أو احتجزت قرابة 50 ألفاً من الجنود ورجال الشرطة والقضاة والموظفين الحكوميين منذ محاولة الانقلاب، مما يثير توتراً في عموم البلاد والبالغ عدد سكانه 80 مليون نسمة والذي يعد حليفاً رئيسياً للغرب في قتال تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
وقال رئيس الوزراء التركي بن علي يلديريم في مجلس النواب: "هذه المنظمة الإرهابية الموازية لن تكون بعد الآن بيدقاً فعالاً في يد أي دولة... سنجتثهم من جذورهم حتى لا تجرؤ أي منظمة سرية على خيانة شعبنا مرة أخرى".
فقد طلب مجلس التعليم العالي في تركيا استقالة عمداء الكليات الرسمية وتلك الملحقة بمؤسسات خاصة وعددها 1577، بعد محاولة الانقلاب على نظام رجب طيب اردوغان.
كما أعلن المجلس الأعلى للاذاعة والتلفزيون ابطال تراخيص محطات التلفزيون والاذاعة المتهمة بأنها مقربة من غولن. وأشارت وكالة "أنباء الأناضول" التركية شبه الرسمية الى ان هذا الأمر يشمل 24 شركة اعلامية، موضحة أن 34 صحافياً يعتبرون مقربين من غولن سحبت منهم بطاقاتهم الصحافية.
وأظهر تعداد لـ"وكالة الصحافة الفرنسية" تعليق مهمات ما لا يقل عن 25000 موظف رسمي بينهم شرطيون وأساتذة، أو تسريحهم، في انحاء البلاد في اطار مطاردة "اتباع غولن". ومنع هؤلاء من مغادرة البلاد.
وأعلن نائب رئيس الوزراء نعمان كورتولوموش ان ما مجموعه 9322 عسكرياً وقاضياً وشرطياً هم قيد الملاحقة القضائية، من غير أن يدلي بتفاصيل.
وتم حتى الساعة توقيف 118 جنرالاً واميرالاً على الأقل في حملة تطهير واسعة في صفوف الجيش. كما أوقف 26 جنرالاً واميرالاً بينهم القائد السابق لسلاح الجو الجنرال اكين اوزتورك ووضعوا قيد التوقيف الاحتياط بعد توجيه تهمة "محاولة قلب النظام الدستوري" و"محاولة اغتيال" الرئيس اليهم.
وأفاد مسؤول تركي بارز إن بين المعتقلين طيارين أسقطا طائرة روسية مقاتلة قرب الحدود السورية في تشرين الثاني 2015 في واقعة أثارت خلافاً ديبلوماسياً مع موسكو.
غير ان رئاسة اركان الجيش التركي شددت على ان "الغالبية الساحقة من القوات المسلحة التركية تحب وطنها وأمتها وعلمها ولا علاقة لها اطلاقاً" بمحاولة الانقلاب، مضيفة ان "الخونة" الذين شاركوا في هذا "العمل الدنيء" سيتلقون "أقسى عقوبة".
كذلك تحدثت وزارة الداخلية عن اقالة نحو تسعة آلاف شخص بينهم ثمانية آلاف من الشرطة، الى مسؤولين محليين.
وفيما دعا صندوق النقد الدولي الى "المحافظة" على المؤسسات الديموقراطية "عماد" التطور الاقتصادي في البلاد، تدهورت الليرة التركية مجدداً مقتربة من أدنى مستوياتها مساء الجمعة (0,2972 دولار).
من جهة أخرى، أكد يلديريم ان حكومته أرسلت ملفات الى الولايات المتحدة لطلب استرداد غولن، وقال أمام مجلس النواب: "لقد أرسلنا أربعة ملفات الى الولايات المتحدة لتسليم كبير الارهابيين". كما يفترض توجيه طلب الاسترداد الرسمي قريباً.
لكن الداعية نفى مجدداً في مقابلة مع وسائل اعلام بينها "وكالة الصحافة الفرنسية" في مقر اقامته في بنسلفانيا بشرق الولايات المتحدة أي مسوؤلية له في محاولة الانقلاب التي أوقعت ما لا يقل عن 308 قتلى ليل الجمعة، بينهم مئة من الجنود المتهمين بالمشاركة في الانقلاب.
واتصل الرئيس الأميركي باراك أوباما بالرئيس التركي رجب طيب إردوغان وعرض المساعدة في التحقيق الذي تجريه أنقرة في محاولة الانقلاب.
وحض أوباما الحكومة التركية على التحلي بضبط النفس في ملاحقتها للمسؤولين عن المحاولة الانقلابية.
وصرح الناطق باسم البيت الأبيض جوش إيرنست ان الرئيسين بحثا في وضع غولن الذي يتهمه إردوغان بتدبير الانقلاب وتقول تركيا إنها ستطلب تسليمه إليها. وقال إيرنست إن الحكومة التركية قدمت معلومات عن غولن للحكومة الأميركية وإن المسؤولين الأميركيين يراجعونها. وأضاف أي طلب استردد من تركيا سيقوّم فور تقديمه بموجب المعاهدة المبرمة بين البلدين.
وفي غضون ذلك، يثير عدم عودة اردوغان من اسطنبول الى العاصمة أنقرة حتى الآن تساؤلات. وقد أثار بقاؤه خارج مقر مؤسسات الحكم التي تعرض بعضها مثل مبنى البرلمان للقصف خلال محاولة الانقلاب، تعليقات في مواقع التواصل الاجتماعي.
وكتب أحدهم ساخراً في موقع "تويتر" للتواصل الاجتماعي: "السيد الرئيس في اسطنبول منذ الانقلاب، لا أفهم هذا. هل هناك انعدام للأمن في العاصمة؟".
وتساءل آخر: "عاصمة تركيا هي أنقرة فلماذا يعلن الرئيس من اسطنبول ان كل شيء تحت السيطرة؟ لماذا أرسل كل هؤلاء الجنود الى اسطنبول؟" بعد الاعلان عن ارسال 1800 احتياطي من قوى الأمن الى المعقل السياسي لاردوغان لتعزيز الامن في المواقع الاستراتيجية.
وقال يلديريم إن تركيا في حاجة إلى تأمين البلد بأسره "بنسبة مئة في المئة". وستعلن الحكومة "قرارات مهمة" اليوم لإنقاذ البلاد مما يقول يلدريم إنها ظروف غير عادية.