تلوث القرعون أصبح أبديا
في دولة الصفقات لا مكان لمصلحة المواطن، فالأولوية لمصلحة جيبة المسؤول. في دولة الصفقات، ما من أحد يحاسب المسؤول، فالشعب المقسّم حزبيا وطائفيا، يفضل أن يسرقه رئيس الحزب الذي ينتمي إلى نفس طائفته على أن يسرقه مسؤول من طائفة أخرى!! السياسيون المتناحرون على سد جنة لم يحركوا ساكنا" في قضية الليطاني، وعلى ذمة بعض الخبراء البيئيين، فإن سد جنة مشروع فاشل بكل المقاييس لاستحالة الإستفادة منه بسبب طبيعة المنطقة الجيولوجية، مقابل المليارات التي ستصرف عليه، ولكن المسؤولين يفضلون القيام بمشروع فاشل يعود ريعه لحساباتهم المصرفية على معالجة تلوث الليطاني الذي يكلفهم مبلغا" ضئيلا" جدا". بالأمس، تناولنا ملف سلامة الغذاء، واليوم سنتناول ملف تلوث الليطاني، وبالرغم من تسليط الضوء على هذه القضايا الحياتية الرئيسية، إلا أن المواطن اللبناني في سبات عميق. قد يكون اليأس من بلد أصبح أمل الإصلاح فيه شبه منعدم قد سيطر على ذهنية المواطن، ولكن طالما هناك من لا يرتضي تمرير صفقات مشبوهة، ما زالت الدنيا بخير.
الليطاني يستغيث..أين وزارة البيئة؟
يقسم الليطاني إلى قسمين: القسم الأعلى يمتد من المنابع وحتى سد القرعون، والقسم الثاني، وهو القسم الجنوبي من نهر الليطاني، أي من سد القرعون حتى القاسمية، فهو إلى حد كبير نهر جديد، يتكون من مئات الينابيع المتدفقة من المنطقة الممتدة من القرعون حتى القاسمية، مرورا بكل القرى والبلدات من البقاع الغربي ومحافظتي النبطية والجنوب.
في القسم الأعلى تصب نفايات المصانع، بالإضافة إلى تسرب المبيدات والأسمدة ومياه الصرف الصحي التي تستعمل من قبل المزارعين. أضف إلى ذلك المجارير التي تصب في النهر، وتحويله إلى مكب للنفايات الصلبة من قبل بعض المصانع. كل هذه العوامل تؤدي إلى نفوق الأسماك لعدم صحة الحياة في مياه الليطاني. أسماء المتسبيين بما آلت إليه أوضاع الليطاني معروفة، ولأنهم "مدعومين" من جهات سياسية معروفة، من الصعب أن تتجرأ الدولة اللبنانية على محاسبتهم، ولكن أين وزارة البيئة مما يحصل؟ ألا يكفيها عار ترك النفايات على الطرقات والمساهمة بقتل المواطن اللبناني؟ إن كان وزير البيئة "غير مكترث" لأمور البيئة فإلى من نتوجه؟
الكاتب الصحفي والخبير البيئي حبيب معلوف:
" قضية الليطاني ليست جديدة. بدأت منذ 20 عاما"، وكنا نحذر دائما" بأن الكارثة آتية لا محالة، ولا شيء جديد سوى أن التلوث قد زاد عن المرحلة الماضية ولا أظن أن هناك أسماك في النهر الآن، إلا في حال كان هناك نوع معين يستطيع التعايش مع السموم. مياه الليطاني غير قابلة للّمس منذ زمن، ولا يمكن السباحة فيها، أو أكل أسماكها، أو حتى الإستفادة منها زراعيا".
نضع هذا الموضوع بتصرف من يتحدثون عن إقامة سد جنة، إذ أن معظم المناطق المحيطة فيه كالمناطق المحيطة بالليطاني، فالمجارير الموجودة في الوديان كلها تصب في الأنهار اللبنانية، ولا يوجد محطة تكرير واحدة في لبنان تعمل بشكل سليم. إذا ما قارنا بين تكلفة معالجة الليطاني وتكلفة إنشاء سد جنة، فإن المشروعين يبلغان نفس التكلفة تقريبا" (حوالي مليار دولار)، فلماذا ننشئ سدودا لتجميع المجارير بدل أن نصرف ما يقارب 1% مما سنصرفه على السدود لنعالج مصادر التلوث؟ برأيي، هذا ما يجب فعله في لبنان، وهذا ما قلته منذ 20 عاما". يجب معالجة مصادر التلوث، وليس إنشاء السدود بهدف زيادة المياه، فزيادة المياه لم تؤثر على الزراعة، ولم تزد كمية المزروعات، ومشكلة المزارعين ليست في نقص االمياه، بل في نقص أمور عدة قد يكون نقص المياه آخرها، ومصير السدود التي تقام في لبنان سيكون مصيرها كمصير القرعون تماما"، ويجب أن نأخذ هذا الدرس القاسي بعين الإعتبار، وأود أن أؤكد للتاريخ أنه حتى لو تم دفع مبلغ مليار دولار لمعالجة مياه القرعون، لن تحل مشكلة التلوث، والتلوث أصبح أبديا"، وأي مصروف عليه لغير هدف إلزام القيمين عليه بإيقاف تلويثه هو هدر للمال العام".
إقرأ أيضًا: الليطاني الذي هزم إسرائيل.. هزمه وطنه