أسدلت الإدارة الأميركية والكونغرس أخيراً الستار على الجدل القائم منذ 14 عاماً حول الصفحات السرية المعروفة بـ«28 صفحة» من تحقيقات أحداث نيويورك 11 سبتمبر الإرهابية، وذلك برفع السرية عنها، والتي كان يتهم البعض من خلال تلك الصفحات المملكة بضلوعها في دعم الإرهاب، إلا أن البيت الأبيض أكد بعد نشر الصفحات براءة السعودية مما ألصق بها من اتهامات، معتبراً أن تلك الصفحات دليلاً على عدم وجود أي صلة للمملكة بأحداث 11 سبتمبر 2001 وواشنطن في نيويورك.

تلك الصفحات الـ28 التي حُجبت من إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش كانت مثار جدلٍ مستمر خلال 14 عاماً في وسائل الإعلام الأميركية وأروقة الكونغرس الأميركي، إذ انقسم أعضاء مجلس النواب والشيوخ في الكونغرس الأميركي حولها إلى قسمين، قسم انشغل بإلقاء الاتهامات جزافاً على السعودية من دون معرفة ما تحوي تلك الصفحات، وقسم آخر تعاطف مع موقف السعودية إلا أنه اتخذ موقف «الحياد الصامت» من تلك الصفحات الـ28 من دون أن يجابه الطرف الآخر، وظل يتابع ما يدور من أحداث بصمت. وبعد أن رفعت السرية عن الـ28 صفحة في الـ15 من تموز (يوليو) سرعان ما تحوّل نواب الكونغرس المنتمين لحزب «الحياد الصامت» سابقاً إلى داعمين ومؤيدين لنشر الصفحات، مؤكدين براءة المملكة من التهم التي ألصقت بها، ومعتبرين أن ذلك اليوم إعلاناً لنهاية نظرية المؤامرة. ويرى بعض النقاد أن اللقاءات الثمانية لوزير الخارجية السعودي عادل الجبير على مدار يومين متواصلين في مبنى الكونغرس الأميركي، التي التقى فيها رئيس مجلس النواب بول رايان وكبار أعضاء المجلس من الحزبين الجمهوري والديموقراطي قبل نشر الصفحات السرية، أسهمت كثيراً في إيضاح وجهة نظر السعودية حيال تلك الصفحات، التي أكد الجبير من خلالها على الموقف السعودي الرسمي في مكافحة الإرهاب والتصدي له، والترحيب بنشر الصفحات السرية.

 

نواب وأعضاء «الشيوخ»: الصفحات

وضعت حداً لـ «نظريات المؤامرة»

اعتبر عدد من أعضاء الكونغرس الأميركي في مجلسي النواب والشيوخ أن نشر الـ28 صفحة السرية يضع حداً لنظريات المؤامرة، إذ إن اتخاذ إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما قرار رفع السرية عن الصفحات يُعد أمراً إيجابياً في إظهار الصورة الحقيقة للمملكة، واستجابة لمطالبات أهالي الضحايا المتضررين من أحداث 11 سبتمبر 2001.

وأوضح السيناتور في مجلس الشيوخ من الحزب الجمهوري ريتشارد بور في بيان صحافي أن رفع السرية عن الصفحات الـ28 السرية من تحقيقات المكتب الفيديرالي الأميركي (FBI) يعد أمراً إيجابياً ويضع حداً لنظريات المؤامرة عن مزاعم غير مؤكدة من قبل. وأشار إلى أن على الجميع أن يعود إلى التقارير التي رفعت من لجنة المخابرات الوطنية والتقارير الصادرة عن الكونغرس عن تلك الصفحات التي نشرت، إذ إنها ستسهم في فهم أكثر لتلك الحقائق، مضيفاً: «نريد أن نضع حداً لتلك التكهنات التي تلقي الضوء على أحداث 11 سبتمبر من دون حقائق واضحة».

من جهتهم، علّق أعضاء مجلس النواب في الكونغرس الجمهوريون توماس مسي ووالتر جونز وستيفن لينش في بيان صحافي مشترك إن نشر الصفحات السرية يعد انتصاراً لأسر الضحايا الذين قضوا حتفهم في أحداث 11 سبتمبر، وإنجازاً يحسب لإدارة الرئيس أوباما، مرحبين بما أظهرته الصفحات من حقائق ومعلومات.

وأكدوا أن الرأي العام سيحكم على ما ظهر من نتائج في الصفحات، وهي بكل تأكيد تنهي فصل الغموض في القضية، متمنياً أن تسهم أيضاً في رسم مستقبل أوضح للسياسة الأميركية الخارجية.

واعتبر عدد من المحللين السياسيين أن نشر الصفحات السرية خطوة ستكون من مصلحة المملكة، وتحقيقاً لرغبتها التي طالما طالبت بها قبل 14 عاماً، مؤكدين أن ذلك يعزز الثقة السعودية في عدم دعمها للإرهاب كما يتهمها البعض بأنها على علاقة به، وحماية لمصالحها مع الولايات المتحدة الأميركية.

ولفتوا إلى أن استغلال نشر الصفحات الـ28 المضاد قد يستغله البعض من وسائل الإعلام ونواب الكونغرس لمصلحتهم بشكل يضر العلاقات السعودية الأميركية، إذ يجب على الحكومة السعودية مواجهتهم، وعدم السماح لهم بالتأثير في العلاقة بين البلدين.

وأوضح المحلل السياسي فهد ناظر لـ«الحياة» أن زيارة الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن في حزيران (يونيو) الماضي كانت مهمة في ظل ما تشهده أروقة الكونغرس الأميركي من تحركات لإقرار قانون العدالة ضد الدول الراعية للإرهاب الذي يسمح بأسر ضحايا هجمات 11 سبتمبر مقاضاة السعودية، معتبراً أن تلك التحركات من شأنها أن تحدث فرقاً في العلاقة بين البلدين.

وأفاد ناظر بأن تلك الزيارة حملت في طياتها الكثير من الأمور المهمة، التي أعقبها أيضاً متابعة وزيارة وزير الخارجية عادل الجبير، مشيراً إلى أن التشريعات التي يسعى عدد من النواب الأميركيين في الكونغرس إلى إقرارها مثل قانون العدالة والإرهاب واستغلال الصفحات الـ28 لمصلحتهم، أو تقييد مبيعات الأسلحة إلى المملكة، لن تعود على البلدين بالنفع أو الفائدة.

وأضاف: «نأمل بأن نرى نتائج زيارة الأمير محمد بن سلمان تؤتي ثمارها لدى الجانب الأميركي، وخصوصاً مع زعماء الكونغرس». من جهتها، لفتت المحللة السياسية في إحدى مراكز الأبحاث الأميركية ناتالي ديلانو خلال حديثها لـ«الحياة» إلى أن بعض وسائل الإعلام ونواب مجلس الشيوخ أو أعضاء الكونغرس قد يستغلون نشر الصفحات السرية في محاولة لزعزعة الثقة المتبادلة بين العلاقات السعودية الأميركية. وقالت ديلانو إن عدداً من وسائل الإعلام الأميركية ومراكز الأبحاث يحاولون التأثير على قرارات النواب في الكونغرس، والدفع بهم من خلال حملات مكثفة لإحداث توتر في العلاقات السعودية - الأميركية من خلال القرار. وأضافت: «يجب على المسؤولين السعوديين أن يواجهوا تلك التحركات بقوة، والسير نحو إيضاح الصورة الصحيحة للشعب الأميركي، إذ إن الرأي العام سيكون مؤثراً وأقوى من تحركات المؤسسات الخفية المضللة للرأي العام، فليس هناك ما يقلق السعودية من الصفحات الـ٢٨ المخفية سابقاً من مكتب التحقيقات الفيديرالي».

 

مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى: السعودية ليست داعمة للإرهاب

دافعت مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى آن باترسون عن العلاقات السعودية - الأميركية خلال جلسة استماع عقدها مجلس الشيوخ (الخميس) الماضي حول إقرار نظام مكافحة العدالة والإرهاب الذي يقضي بالسماح لأهالي ضحايا أحداث 11 سبتمبر بالتقاضي ضد السعودية، إذ قالت إن المملكة الحليفة القوية للولايات المتحدة الأميركية في الحرب ضد الإرهاب.

واعتبرت باترسون أنه من الظلم تصنيف السعودية على أنها دولة راعية للإرهاب، فيما هي تحاربه من خلال تحالفها مع الولايات المتحدة الأميركية، وليس هناك ما يثبت تورطها، مؤكدة أن قانون JASTA من شأنه أن يؤثر على علاقة الولايات المتحدة الأميركية بالدول، إضافة إلى أنه سيكون مدعاة لمقاضاة أميركا حول مشاركاتها الخارجية في حربها على الإرهاب.

وأضافت: «إن نظام JASTA يعتبر تهديداً للاستثمار الأجنبي المباشر في الولايات المتحدة، وتهديداً للأمن الأميركي والقيود المفروضة على مرونة الولايات المتحدة في سياسة مكافحة الإرهاب، كما أن له أضراراً ستلحق بعلاقات أميركا مع شركائها المهمين، كما أن الانتصار في الحرب ضد «داعش» سيكون مستحيلاً من دون التعاون الكامل من الشرق الأوسط والشركاء الأوروبيين».

واستطردت باتريسون بالقول: «إن JASTA سيضع الولايات المتحدة في موقف التقاضي خارجياً حول هجمات الطائرات من دون طيار لمكافحة الإرهاب، ويمكن أن يؤدي إلى زيادة الضغط العام المكثف على الحكومات الأجنبية برفع دعاوى قضائية ضد الولايات المتحدة».

المصدر: الحياة