عندما يعتقد الانسان أنه على حق بكل ما يفكر , ويعتقد أنه ملك الحقيقة , وكل الآخر على خطأ , ويجانب الحقيقة والواقع , هذا يعني أنه إله معصوم عن الخطأ , ويجب على الجميع إتباعه والأخذ منه , والاقرار له , وإلا فهم أعداء الحق , أليس هذا الاعتقاد هو دين ؟ أليس هذا التعصب هو تمذهب ؟ أليست هذه الثقافة هي عبادة الذات ؟ .
مَنْ يُعطي نفسه الحق المطلق في توصيف الآخرين , وتصنيف الناس , ونبذ وإبعاد وإلغاء المختلف معه سياسيا وفكريا وثقافيا , أليست هذه هي عبادة الذات ,التي هي جوهر الفكر الارهابي , وما معنى كما تدين تدان , غير أنها معاملة بالمثل .
إن منشأ الارهاب السائد اليوم , المتمثل بالقتل والتشريد وسفك الدماء , هو تنفيذ عملي لثقافة الارهاب الفكري الذي تشكّل بسبب عبادة الذات عند المذاهب الدينية التي إدعت إمتلاك الحقيقة المطلقة , وإعتبرت كل مَنْ يخالفها خارج دائرة الحق وبالتالي فهو باطل يجب إلقاؤه , ولا يجوز الاستماع إليه ولا محاورته , وهذه طريقة كل المذهبيين في العالم الاسلامي , فاذا كانت كل الاطراف تستعمل نفس الطريقة , فالتأكيد لن يكون ثمة نقاط إلتقاء كأساس لبدء الحوار والنقاش .
عبادة الذات السائدة اليوم عند المذهبيين المتعصبين , التي نهى عنها الله سبحانه هي في الواقع عبادة الشيطان المتميز بالكبْر والمتعجرف المختال , ﴿ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ ﴾ غافر: 35, فالمتكبّر قلبه مُغلق لا يدخله النور ولا يقترب من الحق , فكل متكبر هو عابد للذات لانه يرى نفسه أكبر من كل شيء .
والكبْر الباطني هو عندما يعتقد الانسان ويرى نفسه فوق الآخرين لأنه إمتلك الحقيقة , أو بعبارة أخرى إدعى أنه يملك الحقيقة , بحيث تصير هذه الرؤية عقيدة عنده , فيمارسها في الظاهر بأعمال وسلوكيات تحتقر الآخرين وتذلهم وبالتالي تلغيهم من الحياة , هذا هو الارهاب المتمثل بشكل دين , فالارهاب الظاهري ثمرة الارهاب الداخلي , فلذلك ينبغي القضاء على الارهاب الداخلي الذي هو فكر وثقافة وإعتقاد , قبل محاربة الارهاب الظاهري العملي , بل إن مواجهة الارهاب الظاهري لن تنجح ولن تؤتي ثمارها إلا بمواجهة الارهاب الفكري الباطني .