لا يكفي أن يتفاهم القادة في لبنان على موضوع النفط والغاز، هذا إذا لم يعودوا ويختلفوا على تقاسم ثروته، إنما ينبغي أن يتفاهموا قبل أي أمر على اقامة الدولة القوية القادرة على بسط سلطتها وسيادتها على كل أراضيها، ولا تكون سلطة غير سلطتها ولا قانون غير قانونها ولا سلاح غير سلاحها.
إن محاولة إقامة هذه الدولة بدأت منذ العام 2005 الى اليوم ولم تنجح ولن تنجح إلا إذا انتخب رئيس لديه الخبرة والمعرفة والحنكة في التعامل مع تحديات المرحلة المقبلة باجراء انتخابات نيابية على أساس قانون عادل ومتوازن يحقّق التمثيل الصحيح لشتّى فئات الشعب وأجياله لتنبثق منه حكومة فعل وعمل، حكومة المصلحة الوطنية الحقيقية لا حكومة مصالح خاصة ومنافع ذاتية. وعندما يصبح لبنان دولة نفطية فينبغي أن تكون قادرة على حماية هذه الثروة بجعلها نعمة تعمّ خيراتها كل اللبنانيين وترفع مستوى معيشتهم وتثبّتهم في أرضهم التي تصبح أرضاً محبة للبشر لا كارهة إيّاهم، ولا هجرة منها إلى أي أرض من أراضي أي دولة في العالم، لا أن تتحوّل هذه النعمة نقمة للبنان وللبنانيين إذا لم يكن قادراً على حمايتها من كل طامع وطامح. ومن أجل بلوغ لبنان هذا ينبغي الاتفاق وبالاجماع على أن يكون لبنان هونغ كونغ لا هانوي، ولا ساحة صراع لمحاور اقليمية ودولية، بل واحة للسياحة ومحطة استراحة لكل متعَب ولكل من يريد تنشّق الهواء النظيف وشمّ النسيم العليل، وليكون لبنان سويسرا الشرق فعلاً لا قولاً. ولا شيء يجعله كذلك سوى الحياد الذي يأتي اليه بالاستقرار الدائم والثابت ويجذب اليه كل من يتوق الى الراحة والاستجمام وكل من يريد توظيف أمواله، إذ لا يعقل أن يصبح لبنان دولة نفطية وتظل أرضه ساحة لصراعات المحاور القريبة والبعيدة، أو لا تقوم فيه دولة قادرة على حماية ثروته النفطية، وأن تتولّى الدولة وحدها مسؤولية حماية هذه الثروة ولا تعطي ذريعة لا لـ"حزب الله" ولا لغيره للاحتفاظ بالسلاح خارج الدولة كشريك في تحمّل هذه المسؤولية، كما فرض نفسه شريكاً للدولة في مواجهة الخطر الاسرائيلي وأي خطر يقع على حدود لبنان، فيبقى لحَمَلة هذا السلاح قرار الحرب والسلم وليس للدولة وحدها. وما لم يكن لبنان مستعدّاً ومصمّماً على اقامة الدولة القوية القادرة على بسط سلطتها وسيادتها على كل أراضيها، فإن أي شركة معروفة لن توظّف أموالها في التنقيب عن النفط والغاز ما لم تضمن سلامة استثمارها التي لا تتأمّن إلا بابقاء لبنان خارج الصراعات والحروب وعدم التدخل في حروب دول أخرى.
أما إذا ظل لبنان بعد أن يصبح دولة نفطية كما هي حاله اليوم، فإن النفط لن يكون عندئذ نعمة للبنانيّين بل نقمة لهم. والسؤال المطروح هو: متى يصبح في لبنان دولة قوية قادرة على حماية نفسها بنفسها، حتى إذا صار دولة نفطية يكون قادراً على حماية هذه الثروة من لصوص الداخل وغزاة الخارج، والحؤول دون تحويلها ثورة يقوم بها المتنافسون عليها.
الواقع أن لبنان لن تقوم فيه دولة قوية قادرة على حماية نفسها بنفسها إلا إذا اتفق القادة فيه على تنفيذ القرار 1701 بكل مندرجاته، وهذا التنفيذ يظل صعباً ما لم يقم في سوريا نظام جديد مستعد للتعاون بصدق وإخلاص مع النظام في لبنان على ذلك. وعلى اسرائيل أيضاً التعاون على تنفيذ هذا القرار فتنسحب من مزارع شبعا ومن تلال كفرشوبا وجزء من قرية الغجر لتصبح حدود لبنان مع اسرائيل حدوداً نهائياً وآمنة، وكذلك مع سوريا بعد ترسيم الحدود معها فلا تبقى مخروقة بالثغر ومتداخلة ما يجعلها سائبة وتصعب مراقبتها.
لذلك فلا قيامة للبنان ولا عيش فيه داخل حدود آمنة ما لم يتم تنفيذ القرار 1701 تنفيذاً دقيقاً كاملاً لأنه وحده الكفيل بجعل لبنان وسوريا واسرائيل تعيش داخل حدود آمنة ريثما يتحقّق السلام الشامل والعادل في المنطقة. لكن تنفيذ القرار 1701 رهن بتغيير الوضع في سوريا بحيث تصبح جاهزة للتعاون مع لبنان على تنفيذه.
إميل خوري