أكّدت مصادر عراقية أنّ ضغوطا كبيرة تسلّط على رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي من قبل كبار قادة الميليشيات والأحزاب الشيعية المدعومة إيرانيا من أجل تأمين مشاركة الحشد الشعبي المكوّن أساسا من تلك الميليشيات في معركة الموصل باعتبارها المعركة المفصلية في الحرب ضدّ تنظيم داعش، والتي ستحدّد بشكل كبير مستقبل العراق وطبيعة النفوذ الإقليمي والدولي داخله.
ومع الإعلان مؤخرا على إطلاق المعركة، برز بشكل جلي، قطبان متنافسان على دور في المعركة بين الولايات المتحدة التي كشفت رسميا عن نيتها المشاركة بشكل أكبر في قتال داعش بمحافظة نينوى من خلال إرسال المزيد من الجنود والخبراء وإنشاء مركز قيادة وتحكّم في قاعدة القيارة الجوية التي استعادتها القوات العراقية حديثا من داعش، وبين إيران التي ضمنت “تمثيلا” ميدانيا لها في حرب داعش بالعراق منذ بدايتها سواء عن طريق خبراء يقودهم الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس ضمن الحرس الثوري الإيراني، أو عن طريق ميليشيات الحشد الشعبي التي ليست –بحسب توصيف عراقيين لها- سوى جيش إيراني رديف يعمل على تحويل نفوذ طهران في العراق من مجرّد نفوذ سياسي وديني إلى سيطرة ميدانية على المناطق العراقية.

وتُقابَل مشاركة الحشد الشعبي في معركة الموصل باعتراض شديد تشترك فيه الولايات المتحدة المتوجّسة من مدّ إيران نفوذها إلى مناطق بشمال العراق وغربه، مع أهالي مدينة الموصل وعشائر محافظة نينوى عموما والتي تنتمي غالبيتها إلى المذهب السني وتخشى تعرّضها لعمليات انتقام طائفي على غرار تلك التي مارستها الميليشيات ضدّ أبناء عدد من سكان المناطق كانت شاركت في استعادتها من تنظيم داعش وآخرها مدينة الفلّوجة بمحافظة الأنبار بغرب العراق.

ويبدو رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الذي يوصف من قبل مراقبين بـ”الضعيف” ممزّقا بين ضغوط الميليشيات والأحزاب الشيعية التي تملك سطوة على حكومته، وبين ضغوط الولايات المتحدة التي عبّرت، وفق مصادر سياسية عراقية للعبادي عن رفضها القاطع والصريح لرؤية الميليشيات الشيعية في الموصل، معربة عن جاهزية الحشد العشائري الذي ساهمت واشنطن في تدريبه وتسلحيه، وأيضا قوات البيشمركة الكردية لتسديد أي نقص في القوات خلال معركة الموصل.

وقالت المصادر إنّ قادة كبار في الحشد على رأسهم هادي العامري زعيم ميليشيا بدر عبّروا للعبادي عن عدم الاستعداد تحت أي ظرف للتنازل عن دور الميليشيات في معركة الموصل، معتبرين “أنّ تضحيات الحشد في الحرب ضدّ داعش منذ بدايتها تحتّم مشاركته في معركة الفصل بنينوى لأنها ستكون معركة جني ثمار النصر النهائي”.

ووفق المصادر ذاتها، فإنّ الضغوط على حيدر العبادي من قبل هؤلاء القادة بلغت حدّ تهديده بإفشال المعركة عن طريق الإيعاز لضباط كبار موالين لهم داخل القوات المسلّح بالتراخي في القتال ووضع خطط لا تقود إلى النصر على داعش.

وفي حال نفّذت تلك التهديدات، فإن ذلك سيكون بمثابة كارثة للعبادي الذي عجز عن تلبية أي من مطالب الإصلاح وإخراج العراق من أزمته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية الخانقة، حيث أصبح تحقيق تقدّم في الحرب على تنظيم داعش مجال الإنجاز الوحيد له ومهربه الأخير من فشله العام في إدارة شؤون الدولة.

ولأجل الالتفاف على الاعتراض الأميركي والعشائري الشديد على الزجّ بالميليشيات في معركة الموصل، قالت المصادر ذاتها إنّ قادة تلك الميليشيات اقترحوا على العبادي دمج الآلاف من مقاتلي الحشد الشعبي على وجه السرعة ضمن قوات الجيش والشرطة وتمكينها من الأزياء الرسمية للقوات المسلّحة.

وسمّت قيادات في الحشد الخطّة بـ”خطة حصان طروادة” في إشارة إلى الأسطورة اليونانية القديمة.

وشرحت ذات المصادر أن تنفيذ الخطة لن يتم من فراغ، حيث تمت تجربتها على نطاق أضيق في معركة الفلّوجة الأخيرة ما سمح للميليشيات بدخول المدينة متحدّية رفض العشائر المحلّية. ومع التقدّم في الحرب على تنظيم داعش في العراق تتزايد مخاوف العراقيين من أن تفضي الحرب إلى دمج الميليشيات الشيعية بقياداتها ضمن القوات المسلّحة ليغدو الجيش العراقي من ثمة جيشا طائفيا بشكل كامل.

وتؤكّد مصادر سياسية عراقية أن هذه الفكرة طرحت فعلا للنقاش، وأن العائق الأبرز أمام تقدّمها هو كثرة الميليشيات وتعدّد ولاءاتها والصراعات بين قياداتها.

ويصف خبراء عسكريون ما يواجهه الجيش العراقي من مصاعب وعثرات بالخطرة والمهدّدة لمصير هذه المؤسسة العريقة التي يقارب عمرها قرنا من الزمان. ويعتبرون أنّ القوات المسلّحة العراقية التي لم تستفق بالكامل من صدمة حلّها على يد الحاكم المدني الأميركي بول بريمر سنة 2003، تعاني المزيد من المشاكل التنظيمية والهيكلية ومن ضعف التسليح والتدريب، وتتداخل قضاياها مع فساد الطبقة السياسية التي أهدرت طيلة ما يزيد عن العشرية من الزمان ميزانيات ضخمة مخصصة لتسليح الجيش وحشت صفوفه بالآلاف من الجنود والضباط الوهميين يطلق عليهم اسم الفضائيين ويتقاضون رواتب دون أن يكون لهم أي دور فعلي.

وتتحدّث مصادر عراقية عن وجود انقسامات حادّة بين القادة الميدانيين للقوات العراقية بين صنفين من الضباط، صنف راض بالتنسيق مع ميليشيات الحشد الشعبي وبالتنازل عن بعض مهام الجيش واختصاصاته لفائدتها، وصنف رافض لذلك ويتمسّك بأولوية الجيش في قيادة المعركة ضد داعش والتخطيط لها واتخاذ القرار بشأنها.

ويُخشى أن تكون تلك الخلافات انعكاسا للولاءات السياسية وللانتماءات الطائفية لضباط الجيش العراقي.

ومنذ سقوط مدينة الموصل مركز محافظة نينوى بيد تنظيم داعش توالت انهيارات القوات المسلحة العراقية، في مقابل بروز الميليشيات التي دعمت صفوفها بمتطوعين جدد وانتظمت في ما بات يعرف بالحشد الشعبي الذي يحظى باهتمام ودعم رئاسة الوزراء وتوضع مقدرات تابعة للدولة تحت تصرّفه.

صحيفة العرب