إنهمكت بيروت في عملية رصْد دقيق لمغازي وتداعيات ضرب “داعش” للمرة الثانية في أقلّ من ثمانية أشهر في فرنسا ، من خلف ظهر “حال الطوارئ” المستمرة منذ اعتداءات 30 تشرين الثاني 2015 في باريس ، كما لارتدادات “الهزّة” التي تعرّض لها حكم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ،الذي تقع بلاده عند نقطة تقاطُع جيو – سياسية بالغة الأهمية تجعلها من الأكثر تأثيراً وتأثُّراً بالعديد من الملفات الساخنة في المنطقة، ولا سيما الحرب السورية ، ومن الأكثر ثقلاً في رسْم التوازنات الإقليمية.
ولم تتأخر دوائر سياسية في بيروت في “إسقاط” هذين الحدَثين على الواقع اللبناني انطلاقاً من نقطتين:
– الاولى، ان لبنان استعاد بقوة في الفترة الاخيرة هاجس الهجمات الإرهابية ، وتحديداً منذ التفجيرات الإنتحارية في بلدة القاع البقاعية (قبل 20 يوماً)، وسط ارتفاع وتيرة المخاوف من مخططات خطيرة قد تنطلق من أحد المخيمات الفلسطينية (عين الحلوة – صيدا).
– اما الثانية، فسياسية وترتكز على المأزق السياسي الذي تعيشه البلاد في ظل الفراغ المتمادي في رئاسة الجمهورية والذي يتشابك في جوانبه الأساسية مع الاشتباك في المنطقة ولا سيما بين السعودية وايران، كما يخفي داخلياً في طياته محاولة لـ”انقلاب ناعم” من “حزب الله” وحلفائه على اتفاق الطائف لمصلحة إما “أعراف” جديدة في الحكم تفرّغ الطائف من مضمونه- وهو ما تعنيه بالنسبة الى خصوم الحزب “السلة المتكاملة” للحلّ التي يدعو اليها رئيس مجلس النواب نبيه بري – وإما أخْذ البلاد الى “الفراغ القاتل” المحكوم بموعد الإنتخابات النيابية المقبلة في أيار 2017 وما يعنيه ذلك من خطر الانزلاق نحو “مؤتمر تأسيسي” ينسف النظام الحالي برمّته.
وبدا ان الانشغال بالأحداث المفصليّة خارجياً، شكّل فسحةً للقوى السياسية لـ”التقاط أنفاسها” قبل انطلاق أسبوعٍ سيشهد جلستين لمجلس الوزراء، واحدة مخصصة لاستكمال مناقشة الوضع المالي والثانية عادية لبحث بنود عدة بينها ملفات خلافية أرجئت من الجلسة السابقة، وسط خشية دوائر سياسية من ارتفاع وتيرة التباين حيال الملفات ما يستدعي “ترحيلها” تفادياً لتفجير الحكومة التي تبقى آخر المؤسسات العاملة ولو بالحدّ الأدنى الذي يحول دون إعلان لبنان “دولة فاشلة”.