كانت ليلة طويلة جداً في تركيا تلك التي أعلن في منتصفها فصيل من الجيش الإنقلاب على حكومة العدالة والتنمية ورئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان بدعوى الحفاظ على الديموقراطية قبل أن ينزل مناصرو الحكومة إلى الشارع وينهوا المسرحية.

سيطر الجيش بداية على وسائل الإعلام التقليدية وأعلن عن الانقلاب، لكنه لم يحسب حساب الإعلام الجديد الذي ظهر من خلال أحد تطبيقاته الرئيس التركي مطالباً أنصاره بالنزول إلى الشارع ومواجهة الدبابات، و هذا ما حدث بالفعل، لتصبح كلمة السر في إفشال الانقلاب فعليا هي “الإعلام الجديد” أو تطبيق “فيس تايم” لأول مرة في التاريخ السياسي الحديث.

لكل زمن أدواته ولكل معركة سلاحها، وفشل الانقلاب التركي بهذه السرعة أكد تفوق تطبيقات الهاتف المحمول على الدبابات والإعلام التقليدي أيضاً.

يعتقد كثير ممن تابعوا الحدث أن شعبية أردوغان هي من أنزلت الأتراك إلى الشارع وهذا غير دقيق، إذ إن جميع أحزاب المعارضة السياسية في تركيا أعلنت أنها ضد الانقلاب، ليس حباً في حكومة العدالة والتنمية وإنما حرصاً على استقرار البلاد ومنعاً لانزلاقها في الفوضى وبحيرات الدم، خصوصا أن الجيش لم يقدم ضمانات كافية لذلك في بيانه الانقلابي، كما أن انسحاب أفراده من محيط مطار إسطنبول واستوديوهات القنوات التلفزيونية التي سيطروا عليها في البداية كان إشارة قوية على انعدام السيطرة، وهذا دافع قوي لعدم الثقة في قدرته على فرض الأمن ومنع الفوضى إن سقطت الحكومة بانقلابه غير المتقن.

أمضى الرئيس التركي ليلته الطويلة بين الحشود المرعوبة في المطار يخاطب الناس دون كلل بعد استعادة الموالين له المحطات الفضائية الرئيسية من القوة الانقلابية، ما سبب انشقاقا بين الانقلابيين أنفسهم، مكملاً بذلك ما بدأه في الإعلام الجديد في الإعلام التقليدي، أي أنه تمكن من استخدام جميع أسلحة المعركة الإعلامية التي حددت النتيجة النهائية للحدث.

الطعنة التي لا تقتلك تزيدك قوة، وهذا ما يجسد وضع أردوغان حالياً، فانتصاره على خصومه في الجيش زاده قوة ستدفعه لغربلة المؤسسة العسكرية كاملة دون معارضة شعبية، وهو أمر يعتقد كثير من المحللين أنه كان من أهداف حكومة العدالة والتنمية منذ توليها السلطة، لكنها واجهت عقبات نظامية وشعبية في تنفيذه حتى أن بعضهم يذهبون إلى تصوير الحدث الانقلابي كمسرحية مفتعلة من قبل النظام هدفها السيطرة على الجيش، ولديهم معطيات مختلفة وأسباب مقنعة لتبني هذه الفرضية رغم غرابتها.

الموقف الرسمي السعودي تجاه الحدث الانقلابي في تركيا جاء واضحا على لسان مصدر مسؤول في الخارجية، إذ رحبت المملكة بعودة الأمور إلى نصابها بما يحفظ استقرار تركيا وأمن شعبها الشقيق، وهو ما يدعم أمن المنطقة ككل وهذا هو المهم.

هاني الظاهري - عكاظ