أرجوحة في حرش بيروت

إقفال حرش بيروت في وجه المواطنين لمدة زمنية طويلة لم يكن قليل الأثر على علاقته بالمدينة، في حين أظهر افتتاحه الجزئي، في مرحلته الثانية في شهر أيار الماضي، تقصير بلدية بيروت بحقه. لكن فتحه لم يكن كافياً لإعادة "الروابط النفسية" مع الحرش، خصوصاً أن أبحاث طلاب هندسة العمارة في "الجامعة الأميركية" في بيروت بيّنت أنه "يعيش حالة من العزل عن المحيط نتيجة السياج والاقفال لمدة زمنية طويلة، بالإضافة إلى الوقائع السياسية والاجتماعية التي تركت أثراً سلبياً عليه منذ بداية الحرب الأهلية"، وفق الطالبة باتينا أبي حبيب.

ومن ضمن الاستديو المعماري، في "الأميركية"، جرّب الطلاب "كسر حاجز الخوف وإعادة قنوات التواصل المقطوعة بين الناس والمكان"، وفق أبي حبيب، عبر تصميم أرجوحتين مختلفتين تم تركيبهما في الحرش، بإشراف الأستاذين الجامعيين رنا حداد وجوان حايك. وتقول حداد لـ"المدن" إن الأرجوحة الأولى الموضوعة على طرفي بوابة مقفلة في الحرش "تختبر أسلوباً جديداً في التعامل مع الحاجز، الذي يحدّ التفاعل الطبيعي والمفترض مع هذه المساحة العامّة". وهذا ما بيّنته طريقة اكتشاف الأطفال وتعاطيهم مع العمل عند تطبيقه. فقد بدأوا التواصل مع أشخاص كانوا داخل الحرش رغم وجودهم في الخارج. وهذا ما أراد الطلاب إيصاله لكسر حاجز الخوف الذي عززه وجود السياج.

أما الأرجوحة الثانية، التي وضعت في أعلى نقطة في الحرش، فكانت تتماشى بالكامل مع "التلوث الجميل"، الذي تمّ اختياره ليكون عنواناً لأعمال عدة في هذا الاستديو التعليمي والتطبيقي، الذي يشارك فيه طلاب العمارة في السنتين الثالثة والرابعة. فعندما تنزل الأرجوحة إلى المستوى الأدنى ترى نفسك مغموراً بالصمت الذي توفّره أشجار الحرش المحيطة والطبيعة التي تصبح منطقة عازلة بحدّ ذاتها. لكن حين ترتفع مع الأرجوحة تدخل فوراً في الضجيج والحزام المدني والمعماري الذي يطغى على المدينة.

تضيف حدّاد أنّ تقييم هكذا عمل يتعدى كثيراً المقاييس والمعطيات التي يكتسبها الطالب خلال مسيرته الأكاديمية. فهو "يتعامل مع الواقع كما هو. والأهم من ذلك هو احترام المواطنين الذين يخاطبهم عبر تسليط الضوء على حقوقهم". والعودة إلى المدينة و"ايجاد الروابط التي تجمعنا بها عبر فهم الواقع الاجتماعي والسياسي، يساعدان الطلاب على التفاعل مع مدينتهم ومحاورتها بمختلف وظائفها بشكل أفضل"، وفق الطالب ماريو الخوري.

لكن تنفيذ هذه الأعمال تطلب كثيراً من المعاملات والاجراءات لأخذ الإذن من البلدية. وهذا "النوع من الاجراءات مهم جداً بالنسبة إلى الطلاب، ففي المستقبل سيواجهون القضايا نفسها في عملهم وأدائهم الاجتماعي. أي أنهم يُكونون خبرة ومعرفة باكرة لدخول القوانين والعوائق"، وفق حداد. غير أن الطالبة سهى بومطر تشير إلى أنّ ترحيب بلدية بيروت ومحافظها بالفكرة و"تسهيلهما عملنا كان بسبب إنتمائنا إلى الجامعة الأميركية. لكن لو قرّرت أي جمعية أخرى القيام بمثل هذا العمل لواجهت كثيراً من الصعوبات على الأرجح".

وكان الاستديو المعماري في "الأميركية" قد بدأ أعمالاً مشابهة في العام 1996، عبر العديد من المشاريع التي اهتمت بالأماكن العامة، كما على الكورنيش البحري أو فرز النفايات في منطقة برج حمود. وتعتبر حداد أنّ هذه الإضافات إلى الأماكن العامة يجب أن تستمر و"بمستوى إحترافي، لما لها من تأثير وتحفيز على المواطنة والدمج في الواقع".