بعد اتهامات السلطات الموالية للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، لرجل الدين التركي، فتح الله غولن، بالوقوف وراء محاولة الانقلاب العسكري التي شهدتها تركيا، ليلة الجمعة، وأدت إلى مقتل أكثر من مائة شخص واعتقال آلاف العناصر من الجنود في الجيش.. تعرف على الرجل الذي أثار ضجة على وسائل الإعلام التركية:
من هو غولن الذي يُقيم في ولاية بنسلفانيا في أمريكا؟
يُقيم فتح الله غولن، البالغ من العمر 75 عاما، في ولاية بنسلفانيا في الولايات المتحدة منذ عام 1999، هرباً من ملاحقات القضاء التركي بسبب تهم تتمحور حول "أنشطة مناهضة للعلمانية،" عبر "حركة غولن" التي تقول إنها تنشر الثقافة التركية في كافة أنحاء العالم، كما تدعم وسائل إعلام من ضمنها الصحيفة الأكثر انتشارا في تركيا "زمان،" وتعد من أكبر صحف المعارضة في الدولة.
ونادرا ما يتحدث غولن إلى الصحفيين ورفض عدة طلبات بإجراء مقابلات معه على شبكة CNN منذ أكثر من أربعة سنوات.
ويصفه أنصاره بأنه رجل دين معتدل يدعو إلى الحوار بين الأديان المختلفة، وتُظهر مقاطع فيديو لقائه مع البابا يوحنا بولس الثاني في الفاتيكان في التسعينات من القرن الماضي، كما التقى أيضا في كثير من المناسبات مع الحاخامات ورجال الدين المسيحيين في تركيا.
ولغولن أتباع أولياء، ينتمون أيضا إلى حركة "حزمة"، التي هي مبادرة عالمية مستوحاة من غولن، الذي يدعو إلى ما وصفته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية بأنه "نوع من الإسلام السني المعتدل الموالي للغرب، والذي يروق للعديد من الأتراك الذين يحظون بمستوى عال من التعليم والاحترافية."
ويشير الكثيرون إلى عودة الفضل في معالجة العديد من المشاكل الاجتماعية في تركيا، إلى المنظمات غير الحكومية التي أسستها حركة "حزمة"، بما في ذلك إنشاء المئات من المدارس المختلطة العلمانية ومراكز الدروس الخصوصية المجانية والمستشفيات ووكالات الإغاثة.
كما أدت حركته إلى تأسيس شبكة عالمية من المدارس والجامعات في أكثر من 100 دولة، وفي الولايات المتحدة تشمل هذه الإمبراطورية الأكاديمية مدارس "الوئام" العامة، وهي أكبر شبكة مدارس مستأجرة في ولاية تكساس.
ويملك متطوعون في "حركة غولن" داخل تركيا محطات تلفزيون خاصة وصحفا ذات انتشار واسع النطاق، ومناجم ذهب وبنك تركي واحد على الأقل.
غولن: مهندس انقلاب أم كبش فداء؟
طالب الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، السبت، الحكومة الأمريكية باعتقال أو تسليم، شريكه السابق، رجل الدين التركي، فتح الله غولن، والذي اتهمه أردوغان بأنه يقف وراء محاولة الانقلاب العسكري، التي شهدتها تركيا، ليلة الجمعة، ووصفها الرئيس التركي بـ"الفاشلة".
وقال أردوغان: "هذه الدولة عانت الكثير على يد أيدي عناصر حركة غولن، إذ قوضت سمعة تركيا في أوروبا والولايات المتحدة، وأوجه نداءً إلى أمريكا والرئيس باراك أوباما، عزيزي السيد الرئيس، لقد قلت لك هذا من قبل، إما أن تعتقل غولن أو سلمه للسلطات التركية، ولكنك لم تستجب لي.. أناشدك مرة أخرى، بعد محاولة الانقلاب، بتسليم هذا الرجل في ولاية بنسلفانيا الأمريكية إلى تركيا.. إذا كنا حقا شركاءً استراتيجيين، ستفعل ما هو ضروري."
كما اتهم رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، غولن بأنه من يقف وراء محاولة الانقلاب، مؤكدا أن ما وصفه بـ"التمرد" قد "أخمد،" ومشيرا إلى أن غولن هو "رئيس عصابة إرهابية."
ومن جانبه نفى غولن أي صلة بمحاولة الانقلاب، قائلا: "كشخص عانى تحت وطأة عدة انقلابات عسكرية خلال العقود الخمسة الماضية، من المهين أن اتهم بصلة في محاولة كهذه، وأنا أرفض هذه الاتهامات،" في البيان المنشور على موقعه الرسمي.
وتابع غولن: "أنا أدين بأشد العبارات محاولة الانقلاب العسكري في تركيا، الحكومة يجب الفوز بها عبر عملية انتخابية عادلة وحرة وليس بالقوة، أنا أصلي لله في سبيل تركيا والشعب التركي وللجميع في تركيا بأن تحل هذه الأوضاع بسرعة وبصورة سلمية."
ليس الاتهام الأول بالوقوف وراء انقلاب
اتهمت الحكومة التركية أيضا أنصار غولن بتزعم محاولة انقلاب فاشلة في تركيا في يناير/ كانون الثاني عام 2014. وقارن أردوغان، الذي يُعرف بأنه من المحافظين، غولن وأنصاره بـ"فيروس ومجموعة من القتلة المأجورين من العصور الوسطى،" على حد تعبيره.
وفي مقابلة مع شبكة CNN في تلك الفترة، مسؤول بارز من حزب "العدالة والتنمية" الحاكم في تركيا ويتزعمه أردوغان، "حركة غولن" بأنها "متعاطفة مع العدو" وتسللت إلى داخل قوة الشرطة التركية والقضاء.
وقال عضو البرلمان ونائب رئيس حزب "العدالة والتنمية"، ماهر أونال، لشبكةCNN: "إننا نواجه كيانا لا يتبع الأوامر ضمن قيادة الدولة، إنما عوضا عن ذلك، فإنه يتبع أوامر من خارجها."
وخلال الاشتباكات في عام 2014، نفى غولن في مقابلة نادرة عبر البريد الالكتروني نُشرت في صحيفة "وول ستريت جورنال" أي تورط في مؤامرة سياسية، قائلا: "لن نكون أبدا جزءاً في أي مخطط ضد حكام دولتنا،" حسبما كتب.
غولن وأردوغان: من شراكة إلى عداء شديد
الخلاف الذي نشهده اليوم لم يكن موجودا دائما، بل في الواقع، خلال فترات طويلة من العقد الماضي، كانت "حركة غولن" مؤيدة قوية لأردوغان.
إذ دعمت وسائل الإعلام الموالية لغولن التحقيقات في مؤامرات انقلاب منظم مزعوم من جانب القادة العسكريين الأتراك، إذ قضى العشرات من ضباط الجيش وكذلك الكتّاب العلمانيين والأكاديميين ورجال الأعمال سنوات في السجن في انتظار محاكماتهم، وفي ذلك الوقت، تصاعد خطر انتقاد "حركة غولن."
واعتقلت الشرطة وسجنت الكاتب، أحمد سيك، لأكثر من عام، بتهمة دعم منظمة إرهابية، وحظرت محكمة كتابه "جيش الإمام،" قبل نشره، ويُذكر أنه كان يفحص "حركة غولن." وبعد خروجه من السجن، قال سيك إن التحالف طويل الأمد بين اثنين من القادة الإسلاميين البارزين في تركيا (أردوغان وغولن) انهار في صراع مرير على السلطة.
وقال سيك لـCNN: "كان هناك زواج قسري، والمعركة التي بدأت بسبب الخلاف على من سيتولى قيادة شؤون الأسرة استمر ليصبح طلاقا بشعا،" على حد تعبيره.
وتابع سيك: "في جانب واحد، هناك مجتمع غولن، قوة مظلمة وغامضة يمكنها أن تضر الإدارة الأقوى في التاريخ التركي، وعلى الجانب الآخر، لديك الإدارة التي تحت ستار مكافحة ذلك المجتمع، أصبح باستطاعتها تعليق جميع المبادئ القانونية والديمقراطية."