قوة الإنتصار لا تكمن بالمقدرة على تحقيقه بقدر ما تكمن بالمقدرة على المحافظة عليه، وهنا تكمن أخلاقية ومقدرة وبراعة الفريق الذي يتمكن من ان يحسم معركة او حربا او موقفا لصالحه ضد الطرف المعادي.
فالحفاظ على الإنتصار لا يقل شأنا عن الإنتصار ذاته، فكما أن تحقيق الإنتصار هو مسؤولية ويتطلب جملة وسائل منها العسكرية والأمنية والسياسية، أيضا فإن المحافظة عليه هو مسؤولية ويستلزم جملة أساليب أخلاقية وليست فقط عسكرية لترسيخه في النفوس وترجمته على أرض الواقع، إذ أن العاجز عن المحافظة على الإنتصار هو كمن يجازف به وبأثمانه وتكاليفه البشرية والمادية.
وحزب ألله الذي استطاع أن يجعل من الإنسحاب الإسرائيلي في الخامس والعشرين من شهر أيار عام 2000 نصرا الهيا ويفرضه كمحطة وطنية يتم الاحتفال بها سنويا مستفيدا من جملة عوامل وأهمها على الإطلاق حالة الإحباط التي اجتاحت المجتمعات العربية بسبب سلسلة الإخفاقات والهزائم التي منيت بها الجيوش العربية النظامية في حروبها المتعاقبة مع إسرائيل، بدءا من استكمال احتلال العصابات الصهيونية للأراضي الفلسطينية وإعلان دولة إسرائيل في العام 1947، وعجز الأنظمة العربية عن الايفاء بوعودها والعمل بشعارات التحرير التي كانت ترفعها وأن تفرض على إسرائيل الإنسحاب من الأراضي العربية المحتلة دون معاهدة سلام او فرض شروط كما انسحبت في العام 2000 والذي بدا وكأنه أول إنتصار على إسرائيل حيث ارتفعت أعلام حزب الله وبيادقه وصور أمينه العام السيد حسن نصرالله في معظم شوارع العواصم والمدن العربية.
وكذلك فإن صمود حزب الله في العام 2006 ومعه كافة مكونات المجتمع اللبناني أمام العدوان الإسرائيلي المدمر في شهر تموز وعلى مدى 33 يوما والذي طال أغلبية المناطق اللبنانية وخصوصا تلك التي تشكل حاضنة للحزب، فقد كرس للحزب شعبية واسعة على مستوى الوطن العربي وزاد من مخزون التضامن والتأييد والألتفاف حول الحزب ودغدغ مشاعر كل مواطن عربي وأيقظ الآمال بأمكانية إنزال هزائم بالدولة العبرية المتغطرسة إذا توافرت الإرادة مضافة إلى الإمكانيات القتالية المطلوبة.
وبغض النظر عن تفرد حزب الله بعملية اختطاف الجنديين الإسرائيليين والتي اتخذتها إسرائيل كذريعة لشن عدوانها على لبنان والذي كلفه مليارات الدولارات وسقوط أكثر من 1200 ضحية، واعتبار غالبية اللبنانيين والعرب هذه العملية بأنها مغامرة غير مدروسة، فإن الحكومة اللبنانية يومها خاضت مفاوضات دبلوماسية صعبة وعاصفة حتى تمكنت من التوصل إلى استصدار قرار دولي يقضي بوقف الأعمال الحربية بين إسرائيل وحزب ألله لدرجة أن الرئيس نبيه بري وصف حكومة الرئيس فؤاد السنيورة يومها بحكومة المقاومة، وبعد الحرب فقد سارعت الدول الخليجية ومنها السعودية وقطر والإمارات لإعادة إعمار ما تهدم من قرى الجنوب، والكل يذكر يافطات الشكر التي رفعت في الضاحية الجنوبية لبيروت ومنها / شكرا قطر /.
إلا أن حزب الله لم يستطع الاحتفاظ بهذا الإنجاز الذي تم تكريسه في الوجدان الشعبي العربي على أنه نصر ضد الكيان الصهيوني بعد تحويل وجهة استخدام سلاحه من إسرائيل باتجاه الداخل اللبناني فأقدم على اجتياح بيروت وجزء من الجبل في السابع من أيار عام 2008.
وبعد محاولاته الحثيثة للأطباق على البلد والإمساك بكافة مفاصله الحيوية، وذلك بتعطيل مؤسساته الدستورية وصولا إلى اتخاذ القرار الخطير انصياعا لأوامر ولاية الفقيه بالانخراط في المستنقع السوري دعما لرئيس النظام بشار الأسد الذي يخوض حربا شعواء ضد شعبه. الأمر الذي بدأت معه شعبية حزب الله بالتراجع على المستوى العربي وفي الداخل اللبناني.
وبذلك فقد ضرب حزب الله الأسس والمبررات التي أنطلق على أساسها كمقاومة شرعية لمحاربة إسرائيل وانكشفت حقيقته كفرقة تابعة للحرس الثوري الإيراني وتعمل كأداة منفذة تحت جناح الولي الفقيه، وقد أدى ذلك إلى خسارته بريق النصر الإلهي الذي تباهى به لأكثر عقد من الزمن.