إحتاج أمر الكشف عن بعض خبايا وأحاجي الإرهاب الذي لعلع في فترة السبعينات والثمانينات من القرن الماضي إلى انهيار الاتحاد السوفياتي وكل المنظومة التي كانت تدور في فلكه، ثم انتهاء الحرب الباردة، لمصلحة الغرب وقيمه ونظمه وحرياته وطريقة عيشه وأسواقه.. بل لمصلحة الحياة وشروطها وبديهياتها أولاً وأساساً!

تبين من خبايا تلك المرحلة، أن معظم الجماعات التي انخرطت في الإرهاب، ارتباطاً بالقضية الفلسطينية أو تحت لافتة اليسار الأممي، من «بادر ماينهوف» الألمانية إلى «الألوية الحمراء» الإيطالية إلى «الجيش الأحمر» الياباني، إلى دزينة أو أكثر من التنظيمات والتشكيلات العربية والفلسطينية وخصوصاً الجناح الخارجي في «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» بقيادة الاستثنائي والمميز وديع حداد، مروراً بـ»كارلوس»، إلى التنظيم الأحجية الذي لم تتكشف كل طلاسمه حتى اليوم المسمى «فتح المجلس الثوري» بقيادة صبري البنا (أبو نضال).. كلها أو جُلّها، كان مرتبطاً في نهاية الخيط عند قائد جهاز الاستخبارات السوفياتي (كي.جي.بي) آنذاك يوري أندروبوف مباشرة أو عبر الأجهزة الرديفة والتابعة، في بلغاريا أو ألمانيا الشرقية أو غيرهما من دول المعسكر الاشتراكي.. الراحل!

وكان واضحاً في تلك الأيام، أن إرهاب تلك الجماعات كان جزءاً من معارك الحرب الباردة. لكن حدود التمويه توقفت في زبدتها وجملتها عند هذا المعطى ولم تتخطَّه إلى «التفاصيل» المهمة التي منها تشابك الاستخدامات وتعدّد المستخدمين، وصولاً (مثلاً) إلى الكشف عن أن جريمة خطف واغتيال رئيس الوزراء الإيطالي الدو مورو في العام 1978 تمت تحت لافتة «الألوية الحمراء» وبأيدي عناصرها لكن تنفيذاً لأمر مهمة أتى من عند وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي.آي.إي)!! تبعاً لحساباتها المتصلة بمنع مشاركة اليسار الإيطالي (الحزب الشيوعي تحديداً) في حكومة مورو أو أي حكومة.

الأمر غريب في السياسة العلنية والمنطق، لكنه حقيقي وواقعي في العالم الأمني (والإرهابي) والاستخباراتي!

طبعاً، ورث إرهاب «القاعدة» المتأسلم سلفه الإرهاب المؤدلج يسارياً.. وصولاً إلى الحالة الراهنة (الداعشية؟!) والتي تشبه لجهة ملابساتها واستخداماتها ومشغليها، الإرهاب الذي طبع مرحلة الحرب الباردة!

سيحتاج الأمر (أمرنا في كل حال!) إلى عقود ربما، لمعرفة مجمل تفاصيل وخبايا هذا الصنف من الإرهاب الذي لا يميّز بين استهداف مثوى رسول الله في المدينة المنوّرة واستهداف روّاد نيس الفرنسية التي تُعدّ واحدة من أهم المدن السياحية في العالم! أو بين استهداف جامع في الكويت ومدنيين في اسطنبول التركية! لكن، في ذلك تحديداً، يمكن رد الاعتبار إلى التوصيف القائل بأن «داعش» هذا هو وظيفة أكثر من كونه «دولة» أو «خلافة» أو تنظيماً سرياً! واستخداماته تتبع مشغليه. وهؤلاء في الإطار العام (البعيد عن التفاصيل الاختراقية المضادة) يمكن الدلالة عليهم من خلال الأهداف المضروبة، والتي (وأي صدفة؟!) لا تطال سوى الدول المضادة للمحور الأسدي الإيراني! وإلى حد ما، تتماته الروسية!

الرابط الأساسي العريض لكل عمليات الإرهاب المعاصر، هو أنها لا تستهدف إلاّ المعادين لذلك المحور الفالت على الحرب والنزال من القرم وأوكرانيا، إلى سوريا، مروراً باليمن والعراق وغير ذلك.. والباقي تفاصيل دموية تشبه حوادث «النيران الصديقة» (رحم الله ضحايا الكرادة البغدادية!).

.. وفي نواحي الخلاصات يمكن الاستنتاج (منطقياً) أن الإرهاب، أياً تكن هوياته وملابساته، يسجل «إنجازات» عابرة لكنه لا يعوّض الخسارة الاستراتيجية والدائمة لمستخدميه.. حصل ذلك مع «الإرهاب اليساري» سابقاً، ولا شيء يدلّ على أنه لن يحصل مجدداً مع «الإرهاب المتأسلم» راهناً!

 


علي نون | المستقبل