يُعتبر ختان الإناث في مصر وغيرها من الدول مِن العادات والتقاليد الموروثة عبر الأجيال والمطبَّقة على نحو كثيف، على رغم تجريم القانون المصري لها، ودعوات منظمة الصحّة العالمية لإيقافها.لسَنوات عديدة، تصدّرَت مصر قائمة الدول التي تَخضع نساؤها لبترِ أعضاء الإحساس الجنسي. إلّا أنّها تسجّل تراجعاً واضحاً بين الأجيال الجديدة فيما يتعلق بهذه الظاهرة منذ العام 2014.
فوفقاً للأمم المتحدة تتجاوز نسبة المصريات المتزوّجات المختونات الـ 90 في المئة، للفئة العمرية بين 15 و49 عاماً. ولكن تقلّ هذه النسبة بين الفتيات في الفئة العمرية بين 15و17 عاماً، حيث تصل إلى 61 في المئة بحسب إحصاءات العام 2014. يؤشّر ذلك إلى بدء تراجع هذه الممارسات العدائية والوحشية بحق النساء.
نزع الإحساس
منذ 10 سنوات تقريباً كانت أكثر من 90 في المئة من نساء مصر مختونات. تخيّلوا مجتمعاً بأكمله يتربّى على فكرة ضرورة بترِ الأعضاء الجنسية للمرأة كي لا تشعرَ بأيّ متعة جنسية. فلطالما اعتقَد المجتمع المصري وغيرُه، أنّ السيطرة على الرغبات الجنسية للمرأة من خلال استئصال بعض أعضائها الحسّاسة أمر ضروري، من أجل الحفاظ على عفّتها وشرف العائلة.
وطبعاً هذا كلّه في سبيل تأمين راحة الرَجل وضمان سيطرته على الأنثى وتحكّمِه بها. فلن تتحكّم بها أيّ رغبات بعد هذه العملية الوحشية، بل يصبح كلٌّ مِن الشعور الجنسي والرغبات حِكراً عليه.
ولا يفكّر الرجل أو يكبّد نفسَه عناءَ القلق خلال ممارسته العلاقة الجنسية معها ليعرفَ إذا ما كانت تستمتع بجماعهما أو لا، لأنّها مبتورة الإحساس الجنسي أصلاً! فتتحوّل إلى وعاء يفرغ فيه كبتَه.
بعضُ المناصرين لعمليات الختان من المعلّقين على شبكات التواصل الاجتماعي يعتبرون أنّ "الفتاة المختَتنة تكون زوجة مطيعة لا ترهِق زوجها فى العلاقة الجنسية، وهي تستطيع أن تحافظ على شرف زوجها فى حال غيابه أو مرضه"!
وبالنسبة للبعض "نزعُ الختان من المجتمع ينزَع عنه شرفَه وعفّته"! فبرأي هؤلاء يشكّل ختان المرأة ضمانةً للرجل خلال غيابه عن المنزل من أنّ زوجته لن تخونَه مع آخر! وكأنّها لا تتمكّن من المحافظة على شرفه إن لم تُنزَع أعضاؤها!
علماً أنّ الإنسان إذا مالَ إلى الخيانة فلأنّها متأصلة في فكره، وليست بحكمِ رغبات أعضائه التناسلية. ولطالما هُدّدت النساء في هذه المجتمعات المكبوتة المغلقة بالشائعات التي ستلوّث سمعتهنّ إن لم يخضَعن لبتر أعضائهنّ الجنسية.
دمار
هذه العادة لا تدمّر المرأة على الصعيد النفسي وحسب، إنّما تهدّد سلامتَها وتعرّضها للموت. وآخِر الفضائح في هذا الإطار، وفاة إحدى المراهقات البالغة من العمر 17 عاماً، إثر عملية ختان خضَعت لها في مستشفى خاص في مصر، أواخرَ أيار الماضي.
وعلى رغم وفاة مئات النساء سنوياً في العالم جرّاء هذه الممارسة، وبعد تأكيد كبار رجال الدين في مصر وخارجها على أنّ "الختان ليس قضية دينية تعبُّدية، إنّما يرجع إلى العادات والتقاليد والموروثات الشعبية"، ها هو عضو لجنة الصحّة في البرلمان المصري الدكتور أحمد الطحاوى لا يتردّد بوصفِ تركِ الأنثى بلا ختان بالأمر غيرِ الصحيح.
ففي تصريح أطلقَه منذ بضعة أيام أعلنَ هذا البرلماني المصري بفخرِِ أنّه "اختتن بناته لأنّه مقتنع بالفكرة دينياً و طبّياً". وأشار بثقة إلى أنّه "عندما يكون ختان الإناث جائراً تحصل مشاكل نفسية كبيرة، خصوصاً فى العلاقة الحميمية، ولكن عندما تُترَك الأنثى من غير ختان، يَحدث تلوّث فى هذه المنطقة، وإثارةٌ جنسية غير مرغوبة تؤدّي إلى مشاكل كبيرة"، بحسب رأيه.
وجاءَ هذا الكلام ردّاً على المحاولات الجارية لرفع عقوبة جريمة ختان الإناث، من مصاف الجنحة إلى الجناية، في مصر. علماً أنّه منذ إصدار قانون تجريم الختان عام 2008 صدرَ حكمان فقط ضدّ مرتكبين، على رغم انتشار هذه الجريمة في البلاد على نحو واسع. يُذكر أنّ نحو 200 مليون امرأة وفتاة تعرّضنَ للختان عالمياً، حسب تقرير لصندوق الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، نِصفُهنّ يعيش في مصر وإثيوبيا وإندونيسيا.
وتتراوح تداعيات الختان من تشويه في الأعضاء التناسلية إلى نزيف وألم خلال التبَوّل أو العلاقة الجنسية، ومضاعفاتٍ أخرى قد تكون فتّاكة وقتَ الولادة، مروراً بصدمات نفسية عميقة، كما أنّها قد تؤدّي إلى الوفاة.
(سابين الحاج - الجمهورية)