أكثر من 400 ألف شخص يستعدون لمعركة الجوع المقبلة عليهم بعد حصار حلب وقطع طريق الكاستيلو نارياً، وكما كان متوقعاً لم يستبق المجتمع الدولي "الكارثة" بل انتظر وقوعها ليطلّ عبر نافذة الأمم المتحدة بتحذير من "وقوع كارثة إنسانية في مدينة حلب"، معربة عن قلقها بشدة من تصاعد القتال داخل ثاني أكبر مدينة سورية وحولها. كما دعت المنظمة الدولية الى إدخال المساعدات الإنسانية وإجلاء المدنيين بسرعة وأمان.
وأطلق وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت صرخ من بيروت، داعياً إلى فك الحصار الذي باتت تفرضه قوات النظام السوري على الأحياء الشرقية من مدينة حلب، وستتوالى التصريحات المماثلة من دون أفعال جدية تساعد فيها ما تبقى من بشرية في سوريا, والتجارب السابقة تقدم النتيجة نفسها سواء بحصار مضايا أو الزبداني أو داريا أو حتى بلدتَي نبل والزهراء التي لم تتحرر لولا التدخل الروسي. وبذلك تبقى المهمة محصورة بالمعارضة السورية التي تواصل معاركها، محاولة استعادة الشريان الوحيد للمدنيين في حلب، فضلاً عن تحوّلها إلى "بيضة القبان" في الأزمة السورية، فمن يسيطر على العاصمة الاسترتيجية والاقتصادية يدخل المفاوضات قوياً، لكن العِلْم العسكري قلّل من حجم الخسائر واقتصرت توقعاته على محاصرتها وعدم السيطرة عليها في شكل كامل لغياب الامكانية في ذلك سواء في العديد أو العدد أو طبيعة هذه المدينة وأهميتها بالنسبة إلى المعارضة.
خيارات عدة
وأمام المعارضة السورية خيارات عدّة عسكرية بدأت بأحدها لتفك الحصار، حيث تشهد تلك البقعة الجغرافية المحيطة بـطريق الكاستيلو أشرس المعارك، وفي المتابعة الميدانية فان الناشط السوري الميداني بهاء الحلبي يؤكد لـ"النهار" أن النظام السوري لا يزال يسيطر على مزارع الملاح التي باتت المرصد الرئيسي للكاستيلو وحوّلت حلب إلى مدينة محاصرة "نارياً"، كاشفاً عن محاولات من النظام والميليشيات المساندة له للتقدم باتجاه الخالدية، وبالتالي الوصول إلى دوار الليرمون القريب من ريف حلب الشمالي، لكن الحلبي يؤكد أن "المحاولات فشلت حتى اليوم، وتكبّد المهاجم خسائر كبيرة".
والأكيد في قراءة الواقع العسكري، ان النظام لم يتقدم سوى حوالي 500 متر في معركته ولا يزال حتى اليوم عاجزًا على الوصول بريًّا إلى الكاستيلو ودفع الثمن غاليا مقابل ذلك، لكن وفق الحلبي فإن الطريق باتت خطرة، و"انعكس ذلك سلباً على المدنيّين وبدأ الوضع الانساني ينهار، ولوحظ غياب الخضر عن الاسواق كما اقفل سوق الهال وغاب الباعة المتجولون عن الطرق، فضلاً عن الوضع الطبّي الكارثي بغياب المعدات والأدوية والمشافي، وباتت حالة كل من صنِّف بجريح حرجة ينتظر لحظة نقله إلى المقابر".
خيارات أمام المعارضة
كيف يمكن للمعارضة أن تستعيدَ زمام المبادرة العسكرية؟ سؤال يجيب عنه اللواء المتقاعد فايز الدويري الذي يتابع المعارك في سوريا في شكل دقيق، ويؤكد لـ"النهار" أن "السيطرة النارية على الكاستيلو لا تزال جزئية وأصبحت الطريق خطرة وامكانية استخدامها من المدنيين فيها خطورة عالية، لكن يمكن ان يستخدمها المقاتلون عبر المغامرة في سلوك الطريق او عبر الضواحي وخلق طرق جانبية، ولكن المضاعفات بقطع هذه الطريق خطيرة جداً لأنها آخر منفذ تتنفس منه الأحياء الخاضعة للمعارضة".
وفق قراءة الدويري فإن أمام المعارضة خيارين:
"الأول: الدفاع السلبي والاعتماد على التقوقع داخل المدينة للدفاع عنها وعدم السماح بدخول النظام اليها وهو خيار غير محبّذ ويقود إلى نتائج كارثية على المدى البعيد.
الثاني: الدفاع النشط الايجابي ويتمثل باجراءات عدة"، ووفق الدويري هي:
"أولاً: اجراء تم تطبيقه خلال اليومين السابقين ويقوم على تنشيط خطوط التماس التي كانت ساكنة منذ عام 2013 واعادة احياء الروح القتالية في خطوط التماس، فهذا الأمر يؤدي إلى منع النظام من سحب قواته لتعزيز جبهة الكاستليو وفي الوقت نفسه يجبره على جلب قوات من مناطق اخرى لضمان استمرارية خطوط النار كما هي.
ثانياً: اجراء طبّق أيضاً من جبهة النصرة وقوات أخرى بشن هجوم معاكس لفك السيطرة الجزئية عن الطريق الكاستيلو، ولكن "النصرة" تراجعت بسبب شدة القصف الروسي.
ثالثاً: ضرورة اشراك "جيش الفتح" في المعارك، لأنه الأقدر على شنّ هجمات منظمة ناجحة ولو ادى ذلك الى تهدئة الجبهات سواء في ريف حلب الجنوبي او حتى في جبهة الساحل، وابقاء قوات للدفاع فقط والتمسك بالارض وسحب جزء منها لشن هجوم معاكس كبير يتم من خلاله استعادة السيطرة على الكاستيلو واستعادة السيطرة على مزارع الملاح".
الاجراء الأخير
أما بالنسبة إلى الاجراء الأخير وفي حال لم ترغب المعارضة في سحب قوات، خصوصاً من الريف الجنوبي للمساندة، فإن الدويري ينصح بـ "فتح طريق الراموسة التي هي في الجنوب لتكون طريقاً بديلة لامداد المعارضة وفي الوقت نفسه تفرض حصاراً على مناطق النظام، وهذا الخيار يكون اقل كلفة من هجوم مضاد كبير على الكاستيلو"، ويعود الدويري إلى الوراء ويقول: "أنا كنت من مناصري اقتحام بلدتي نبل والزهراء، لأن ذلك كان من شأنه ابعاد اي خطر على الكاستيلو وبالتالي كانت الأمور قد اختلفت".
محمد نمر