خلّفت الزيارة المفاجئة لوزير الدفاع الأميركي إلى بغداد وإعلانه عن عزم واشنطن إرسال المئات من الجنود الإضافيين إلى العراق، ردود فعل رافضة من قبل الميليشيات الشيعية.
ويخشى كبار قادة تلك الميليشيات من أن يؤدي الانخراط الأميركي المتزايد في الحرب ضدّ داعش على الأراضي العراقية إلى الحدّ من دور تشكيلاتهم الطائفية المسلّحة في تلك الحرب.
ويعني ذلك في المحصّلة، كبح تمدّد النفوذ الإيراني في العراق الذي بدأ يتحوّل من مجرّد التأثير على القرار السياسي للبلد إلى سيطرة ميدانية عن طريق الميليشيات المنخرطة في قتال داعش ضمن الحشد الشعبي، والمدينة لطهران بدعمها ماليا ولوجيستيا وتوفيرالغطاء لها سياسيا.
وصدر أوضح اعتراض على الخطوة الأميركية عن هادي العامري قائد ميليشيا بدر، أقوى الميليشيات الشيعية في العراق وأكثرها ارتباطا بإيران، من خلال بيان أصدره عقب زيارة وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر، الإثنين، لبغداد ولقائه برئيس الوزراء حيدر العبادي ووزير الدفاع خالد العبيدي قال فيه “قرّرنا أن العراق ليس مكانا لداعش والأميركان لأن الشعب العراقي يرفض استبدال داعش الإرهابي بالأميركان”.
وردّ العامري بذلك على إعلان كارتر قرار بلاده إرسال 560 جنديا إضافيا إلى العراق ليصبح بذلك عدد الجنود الأميركيين هناك نحو 4650، وأيضا قرارها بنقل مستشارين وأفرادا آخرين إلى قاعدة القيارة الجوية.
وكان من اليسير على أغلب المحلّلين السياسيين والعسكريين الربط بين زيارة الوزير الأميركي، وإعلان السلطات العراقية استعادة السيطرة على القاعدة المذكورة الواقعة على بعد العشرات من الكيلومترات فقط عن مدينة الموصل آخر معقل كبير لتنظيم داعش في العراق، الأمر الذي مثّل تقدّما مهمّا في الحرب على التنظيم.
وقال مراقبون إنّ زيارة وزير الدفاع الأميركي التي اتخذت طابع الاستعجال بيّنت بوضوح أن الولايات المتّحدة حريصة على أن لا تتجاوزها أحداث الحرب على داعش في العراق وأن لا يتم حسمها دون مشاركتها وبعيدا عن رقابتها وتحكّمها لأن مصير الحرب مهمّ في تحديد حجم النفوذ في مرحلة ما بعدها.
ولا يغيب عن ذهن صانع القرار الأميركي، أنّ حلقات مهمّة من المواجهة مع تنظيم داعش على الأراضي العراقية، بما في ذلك معركة مدينة الفلّوجة، تمّت بمشاركة إيرانية فاعلة سواء بشكل مباشر عن طريق مستشارين عسكريين، أو بالوكالة عن طريق الميليشيات الشيعية المشكّلة للحشد الشعبي.
هادي العامري: الشعب العراقي يرفض استبدال تنظيم داعش بالأميركان
وكانت الحرب على تنظيم داعش في العراق قد سارت في بدايتها لمصلحة إيران بشكل كبير حيث شارك خبراؤها في عدّة معارك بمحافظات ديالى وصلاح الدين والأنبار، وسجلّ حضور مباشر للجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني.
وعمّت الخشية في داخل العراق وخارجه من البروز الكبير لميليشيات الحشد الشعبي الذي تشكّل بفتوى دينية من المرجع الشيعي علي السيستاني.
ونظر الكثيرون إلى الحشد باعتباره جيش احتلال إيرانيا مقنّعا للعراق، خصوصا في ظلّ الانهيار الذي ألمّ بالقوات النظامية العراقية، مع غزو تنظيم داعش لمناطق شاسعة من البلاد صيف العام 2014.
ومن هذه الزاوية، فسيعني إفساح المجال لميليشيات الحشد الشعبي للمشاركة بكثافة في معركة الموصل، السماح بمدّ السيطرة الميدانية الإيرانية على مناطق بشمال العراق وغربه كثيرا ما أظهرت الولايات المتحدة اهتماما بتركيز قواعد عسكرية فيها، ضمن عملية “إعادة صياغة” لتواجد عسكري أميركي على الأراضي العراقية يوصف بـ”الذكي والمركّز” لاعتماده على أعداد قليلة من نخب القوات بدل التعويل على أعداد كبيرة تكون أكثر عرضة للمخاطر.
ويعي قادة الأحزاب الدينية والميليشيات الشيعية العراقية أنّ الخطوات الأميركية المعلن عنها خلال زيارة كارتر الأخيرة جزء من صراع النفوذ بين واشنطن وطهران التي يصطفّون إلى جانبها ضدّ أي محاولة للحدّ من دورها في العراق.
وتعبيرا عن رفضه إرسال المزيد من الجنود الأميركيين إلى العراق، قال هادي العامري قائد ميليشيا بدر في بيانه، إن “العراقيين قادرون على تحرير الموصل مثلما حرّروا بيجي والفلوجة والقيارة”، مبيّنا أن “الخبرة الكبيرة التي اكتسبها الحشد الشعبي والأجهزة الأمنية من خلال العمليات العسكرية ضد الإرهاب، تؤكد أن تحرير الموصل مسألة وقت لا أكثر”.
وطيلة السنوات التي سبقت غزو العراق وصولا إلى سنة 2003 وما أعقبها، تراوحت علاقة واشنطن وطهران وسياستهما تجاه الموضوع العراقي بين الوفاق حول إضعاف هذا البلد ذي المقدّرات الضخمة والعمل المشترك على تحييده عن لعب دور في المعادلة الإقليمية، وبين الصراع على النفوذ داخله.
ويمثّل التنافس الأميركي الإيراني على كسب دور في الحرب على تنظيم داعش، أحدث حلقة في ذلك الصراع المتواصل بين الطرفين، لكنها لن تكون الأخيرة، إذ أن المهم ليس الحرب في حدّ ذاتها لكن ما ستؤول إليه وتفرزه من أوضاع جديدة في العراق تريد كلّ من واشنطن وطهران تجييرها لمصلحتها.
العرب