هو الشاب الذي طالما سارع لإسعاف غيره من دون أن تسعفه دولته حين أصيبَ بحادث سير في بلدته. هو شاكر ماضي وحيد عائلته الذي أرغم على مفارقتها بعدما اضطر الى سلوك نحو 25 كيلومتراً اضافية للوصول الى اقرب مستشفى لتلقي العلاج كما تؤكد عائلته، على رغم أن مستشفى في بلدته جُهّز منذ سنوات من دون أن يُبدأ العمل به إلى الآن.
"لو كانت أبواب مستشفى الشيخ خليفة بن زايد في شبعا المقدمة من دولة الإمارات، مشرعة للمرضى والمصابين لربما لم نكن نتحدث عن شاكر اليوم بصيغة الماضي، بل كان بالامكان ان يكون يعالج فيها الآن. لكن، ويا للأسف، أحتاج إلى ساعة للوصول الى مستشفى مرجعيون وهو في حال نزيف بعدما أصيب في رأسه اثر حادث السير الذي وقع معه فجر الجمعة الماضي". يتحدث جمال والد شاكر بغصة إلى "النهار" عن كل ما يدور وخصوصاً إهمال المسؤولين الذين يستخفون بأرواح المواطنين طارحاً مئات علامات التعجب والاستفهام حول ظروف عدة اجتمعت لحرمانه من وحيده على ثلاث فتيات، على رأسها عدم معالجته سريعاً من النزيف الذي اصابه في مستشفى بلدته الذي يبعد 5 دقائق عن مكان الحادث، ولفت إلى أنه "يحمّل المسؤولية لكل من له يد بعدم فتح ابواب مستشفى شبعا، فشاكر وصل على قيد الحياة الى مستشفى مرجعيون، قاوم نصف ساعة قبل ان يغلبه الموت، ما يعني انه لو عولج سريعاً لربما كان انتصر عليه".
لحظات ما قبل الموت
شاكر (20 عاماً) من سكان المية ومية - صيدا، اعتاد أن يمضي وعائلته العطلة الصيفية في بلدته، إذ يقول والده: " قبل عيد الفطر بيومين قصدنا البلدة، من دون ان نتوقع ان هذه المرة ليست كسابقاتها واننا لن نعود بعد انتهائها مع أغلى انسان لدينا. لم نتوقع أن ينتظره شبح الموت في إحدى طرقاتها، يتربص به عند الساعة الأولى والنصف من فجر الجمعة الماضي، وما إن يمرّ حتى اصطدم اطار جهة اليمين للسيارة الرباعية التي يقودها صديقه عمر صعب بعمود كهرباء ما ادى الى انفجاره، عندها فقد السائق القدرة على القيادة، فعاودت السيارة الاصطدام بباب حديد لإحدى الفيلات، الضربة أتت على رأس ابني وأصيب صعب اصابات خطرة".
واضاف " كانوا ثلاثة في السيارة التي تعود ملكيتها الى زوج خالة شاكر، وكان يقودها بداية ابنه محمد فرحات، لكن عندما وصل الى منزله طلب من عمر ان يركنها جانباً ليكملا السهرة. حينها وقع الحادث الذي كلفني فلذة كبدي بعدما فرحت بنجاحه في صف البكالوريا قسم اول وهو كان ينتظر نتائج دورة الجمارك التي قدم عليها منذ سنتين، لكنه رحل من دون ان تصدر ويفرح بما بنى عليه آماله وطموحه".
لهذا لم تشرع ابوابها
#شبعا_تستغيث_افتحوا_المستشفى، هو الهاشتاغ الذي أطلق بعد وفاة شاكر في "تويتر"، فلماذا لا يتم فتح ابواب المستشفى الذي بدأ بناؤه ضمن المشروع الإماراتي لدعم وإعمار لبنان في العام 2007 وأنجز بعد سنتين من تاريخه؟
عن هذا السؤال، أجاب عضو كتلة التنمية والتحرير النائب قاسم هاشم في اتصال مع "النهار" قائلاً ان "ما يؤخر افتتاح المستشفى هو عدم الوصول الى تفاهم مع الجهة المانحة أي دولة الامارات حول موضوع الآلية التي ستعتمدها الوزارة لكونه مستشفى حكومياً، وكذلك اختلاف حول كيفية اختيار الجهة التي ستدير المستشفى سواء كانت جمعية قائمة او غيرها"، لافتاً إلى أنه "جرت اتصالات بداية مع الجامعة الاميركية ولاحقاً مع مستشفى المقاصد، حصل خلل معين والظروف لم تساعد".
قاسم أكد أن لا علاقة لوفاة شاكر بافتتاح المستشفى "هذا حادث، وكل يوم هناك حالات مرضية ببلدة كبيرة يتجاوز عدد سكانها العشرين الفاً، إضافة الى 7 آلاف نازح سوري، الموضوع ليس ردة فعل، ولدينا تجربة من خلال بعض المستشفيات الحكومية التي افتتحت وتعثرت لأكثر من مرة في المنطقة ومستشفى حاصبيا خير دليل على ذلك. فعلى الرغم من كل المعالجات الى الآن انطلاقتها لم تصل الى المستوى الطبي المطلوب، لذلك يجب التعاطي وفق الاصول لضمان استمرارية المستشفى وعدم اقفاله بعد شهرين من افتتاحه".
واستطرد بأن "الموضوع علمي طبي ويجب التعامل معه من هذا المنطلق، لا بردّات الفعل والارتجالية التي يريدها البعض والاستثمار الاعلامي والسياسي بشكل اساسي. نحن اجرينا اتصالاتنا ونعرف تماماً كيف يمكن الوصول الى اللحظة التي نضمن فيها مصلحة الناس من خلال تامين استمرار عمل المستشفى لاطول مدة".
رد شعبي
أهالي شبعا سينفذون اعتصاماً صباح الاحد القادم بحسب ما أكده رئيس البلدية محمد صعب لـ"النهار"، إذ قال: " كنا طالبنا سابقاً بفتح ابواب المستشفى الذي أنجز بناؤه في العام 2009 والذي يتمتع بمواصفات عالمية وتغطي منطقة العرقوب وليس فقط بلدتنا التي تضم وحدها 35 الف نسمة. والآن بعد حادثة شاكر سنكثف مطالبتنا وتحركاتنا، اذ ان اقرب مستشفى لبلدتنا هو مستشفى مرجعيون الذي يبعد نحو 25 كلم، ونأمل اهتمام المسؤولين والمسارعة في بتّ المسألة". وعن العوائق التي حالت الى الآن دون ذلك، أجاب "التمويل والتبني، والوضع الامني بالنسبة إلى السوريين حيث يوجد لدينا نحو 6 آلآف نازح سوري ولا علاقة للمحاصصة السياسية بالأمر، الجميع يسعى لفتح أبوابه لا سيما الرئيس فؤاد السنيورة والوزير وائل أبو فاعور".
مضى ماضي في طريق لم يخترها هو بل فرضها إهمال المسؤولين في رأي عائلته، طريق ستشهد المزيد من العابرين إذا لم يُسارع الى فتح أبواب الحياة في مستشفى بات أمل الآلاف للنجاة!
أسرار شبارو