ضاعف زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، الضغوط المسلطة على حكومة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بدعوته العراقيين إلى التظاهر احتجاجا على الفساد وللمطالبة بإقالة المسؤولين المتورّطين فيه.
ومن شأن دعوة الزعيم الشيعي هذه أن تعيد إثارة الشارع العراقي الغاضب أصلا من سوء الأوضاع بوجه الحكومة التي تواجه أزمة سياسية واقتصادية وأمنية غير مسبوقة، جعلت مصير النظام القائم بقيادة الأحزاب الدينية على المحكّ بعد أن بلغ الغضب الشعبي خلال الأشهر الماضية سقوفا غير مسبوقة وصلت حدّ اقتحام متظاهرين للمنطقة الخضراء المحصّنة ودخول مبنى البرلمان، والهجوم على مقرات أكبر الأحزاب الشيعية في عدّة مدن.
ووجدت حكومة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، مهربا ظرفيا من الأزمة، في تصعيد الحرب ضدّ تنظيم داعش، ومحاولة صرف الأنظار باتجاه معركة مدينة الفلّوجة ثمّ معركة مدينة الموصل دون فاصل زمني بينهما.
غير أن هجومين داميين استهدفا الأسبوع الماضي حي الكرادة بالعاصمة بغداد وقضاء بلد بمحافظة صلاح الدين مخلّفين المئات من الضحايا بين قتلى وجرحى أعادا تسليط الأنظار على الفشل الحكومي العام في إدارة شؤون الدولة وفي فرض الأمن وحماية الأرواح.
ويجد زعيم التيار الصدري في الأزمة أفضل مناسبة لمقارعة خصومه من كبار قادة الأحزاب الشيعية والميليشيات المسلّحة الممسكين بزمام السلطة، بعد أن كانوا نجحوا طيلة السنوات الماضية في إبعاده عن دوائر القرار وحرمانه من موقع قيادي في النظام يرى نفسه جديرا به نظرا إلى المكانة الدينية لعائلته.
بوادر صراع على منصب وزير الداخلية
بغداد - تلوح في العراق بوادر قوية على نشوب نزاع شديد على منصب وزير الداخلية الذي أصبح شاغرا بعد تقديم الوزير محمد سالم الغبان القيادي بمنظمة بدر لاستقالته من المنصب إثر الهجوم الدامي على حي الكرادة الأسبوع الماضي.
وقبلت الجماعة المذكورة التي يقودها الرجل القوي هادي العامري، وتمتلك أقوى ميليشيا مسلّحة في العراق، تنحي الغبان من قيادة الداخلية، دون أن يعني ذلك قبولها التنازل عن المنصب.
وشدّد النائب عن كتلة بدر، عبدالحسين الازيرجاوي، الاثنين، على أن منصب وزير الداخلية من حصة كتلته وفق المعادلة الوزارية الحالية.
وقال الأزيرجاوي لموقع السومرية الإخباري “ضمن المعادلة الحالية والإطار العام للمواقع الوزارية، فإن وزارة الداخلية باقية لكتلة بدر”.
وسبّب تمسّك بدر بالمنصب إرباكا شديدا لرئيس الوزراء حيدر العبادي الذي لا يقوى على مواجهة جماعة يقودها هادي العامري رجل إيران القوي في العراق.
وظهر الإرباك واضحا الإثنين من خلال إصدار قرار بإسناد منصب وزير الداخلية وكالة إلى موظّف في الوزارة، والعودة عن القرار ونفي صدوره بشكل شبه فوري.
وبعد أن أعلنت وزارة الداخلية، الاثنين، عن قيام رئيس الوزراء حيدر العبادي بتكليف الوكيل الإداري والمالي لوزارة الداخلية عقيل الخزعلي بمنصب وزير الداخلية بالوكالة إلى حين اختيار وزير جديد، سارع المتحدث باسم الوزارة العميد سعد معن إلى نفي الخبر قائلا إنّه “لم تتم إلى غاية الآن تسمية وزير للداخلية بالوكالة بعد استقالة الوزير محمد الغبان”.
كما نفى الخزعلي ذاته تعيينه في المنصب.
ويعتبر منصب وزير الداخلية في العراق أهم موقع للسلطة، حيث يتاح للممسك به قدر كبير من القوّة في مواجهة باقي الخصوم والمنافسين، فضلا عن تصرّفه في ميزانية ضخمة توجد بها أبواب كثيرة للصرف خارج نطاق الرقابة المالية.
وأصبح عدم مشاركة الصدر في الحكم بشكل مباشر ورقة قوّة بيده، حيث نجح في أن ينحت لنفسه صورة المحارب للفساد والمدافع عن مصالح الشعب، بينما تلبّست بغالبية أعضاء الطبقة الحاكمة صورة المفسدين والفاشلين، وأصبحوا موضع نقمة الشعب العراقي. وعلى هذه الخلفية كثيرا ما لقيت دعوات الصدر إلى التظاهر والاعتصام استجابة شعبية واضحة.
ويريد الصدر بدعوته من سمّاهم “الوطنيين” إلى الخروج في تظاهرة وصفها بـ”المهيبة” في ساحة التحرير ببغداد الجمعة تفويت الفرصة على حكومة حيدر العبادي لاستعادة توازنها بعد الضربة القوية التي تلقتها بفعل هجومي الكرادة وبلد.
وعمل الصدر على توظيف مشاعر العراقيين المستنفرة بعد المجزرتين المذكورتين من خلال الربط بين الفساد الحكومي واستشراء الإرهاب.
وقال، الإثنين، في بيان إن بقاء الفساد والمفسدين يعني بقاء تسلط الإرهاب على العراقيين، داعيا المتظاهرين إلى إقالة جميع الفاسدين.
وأضاف في بيانه أنّ “عراقنا الحبيب يمر بمنعطف خطير يستوجب منا وقفة حقيقية وجادة لإنقاذه من محنته”، مشيرا إلى أنه “أوعز للمجاهدين برص الصفوف ولبس الأكفان من أجل دفع خطر الإرهاب في سوح الجهاد، وهم لم يألوا جهدا ولم يقصروا في إرخاص الدماء من أجل المقدسات ومن أجل الدفاع عن الشعب”.
ويطمح الصدر في أنّ يجنّد أقصى ما يمكن من القوى، إسلامية ومدنية، بوجه حكومة حيدر العبادي لضمان إسقاطها.
وقال، الإثنين، في ذات البيان “أجد لزاما على المخلصين والمؤمنين بالقضية العراقية وبالمشروع الإصلاحي الخالص لوجه الله بكل انتماءاتهم المدنية والإسلامية وغيرها التعاون من أجل الخروج في تظاهرة مهيبة لإنقاذ الوطن وكي لا تذهب دماء العراقيين التي سالت في كل بقاع العراق ولا سيما في الكرادة وبلد هباء وبغير حساب، ولكي يزول عنا ألم الفساد والظلم”.
وبدعوة الصدر إلى تصعيد نوعي ضدّ حكومة حيدر العبادي والأحزاب الممثلة فيها، يبدو الصراع على السلطة في العراق، وإنّ اتخذ عنوان الدعوة للإصلاح، بصدد الاقتراب من منعرج جديد، قد يكون خطيرا.
ولن يكون خصوم الصدر من كبار الرموز والقادة من داخل العائلة السياسية الشيعية، في وارد الاستسلام لها وهو يسحب البساط من تحت أقدامهم، والمرجّح أن يستخدموا ضدّه مختلف ما يمتلكونه من وسائل ومقدّرات، دون استثناء خيار القوّة.
العرب