ليس أقسى من حرب تموز 2006، إلا الحرب التي اندلعت في اليوم التالي لوقف إطلاق النار. صحيح أن الناس ملّوا من الحديث عن المؤامرة، ومن نسب كل الموبقات إلى الأعداء المنتشرين من حولنا وفي كل العالم.

لكن ما كشفته السنوات الماضية، من وثائق ويكيليكس إلى تسريبات البريد الدبلوماسي العالمي، إلى وقائع إضافية كانت لا تزال مستمرة حتى بعد توقف الحرب، دلّ على أمر واحد: أن العدو المتشكّل من كل الغرب الاستعماري، وعملائه من الصهاينة والعرب واللبنانيين، لم يتوقف يوماً عن العمل المضني في سبيل غاية واحدة: كسر فكرة المقاومة وإرادتها. وهؤلاء على حق في ما يفعلون، لأنهم يلمسون، يوماً بعد آخر، النتائج الهائلة التي حققتها المقاومة في مواجهة العدو، والآفاق التي فتحتها لإحداث تغييرات جوهرية في مسارات الأمور في منطقتنا. عندما اندلعت حرب تموز، كان العدو يعتبرها معركة، أو جولة، وأطلق عليها يومها اسم «عملية تغيير الاتجاه»، قبل أن يركب الجنون رأس قادته السياسيين والعسكريين ويحوّلها إلى «حرب لبنان الثانية». والنتيجة كانت أن المقاومة هي من نجحت في تغيير الاتجاه. وهو أصل الموضوع.
بهذا المعنى، ووفق هذه الاستراتيجية، لم ينتظر عملاء أميركا وإسرائيل في لبنان دفن الشهداء، عندما أطلقوا معركة نزع سلاح المقاومة. من بيان لقاء البريستول السيئ الذكر، وصولاً إلى قرارات مجلس الوزراء في الخامس من أيار عام 2008، وما تخللها وتلاها من تحريض لا يزال مستمراً، وضخ هائل من الأكاذيب والدسّ... هدفه واحد، هو وضع المقاومة في موقع المحاصر، وتدفيعها ثمن قدرتها على الانتصار، والدفع إلى تغيير الاتجاه.

 


اليوم، بعد ما مرّ من سنوات على الأزمة السورية، ومع الاحتفاظ بكل الملاحظات النقدية ــــ الجذرية لا الهامشية منها ــــ على طبيعة النظام الحاكم وعلى سياسات الحكم في سوريا، اقتصادياً واجتماعياً، وعلى إدارة البلاد، وتفشي الفساد والقمع، فإن من البديهي القول إن ما يجري اليوم في سوريا، له هدف واحد: تدمير هذه الدولة، بما تمثله من جدار صلب يمكن المقاومةَ في لبنان وفلسطين والعراق أن تستند إليه. هذا ما حصل وما هو مستمر لمن يرغب. لذلك، كان من الضروري مراجعة الكثير من الوقائع والعناصر السياسية وغير السياسية، للقول صراحة، اليوم، جهاراً ونهاراً، إن الغرب الاستعماري وعملاءه من الصهاينة والعرب والسوريين واللبنانيين، إنما يقودون أقذر حرب على الشعب والدولة في سوريا، ومعهم، ومن خلفهم وأمامهم، الوصول إلى رأس المقاومة في لبنان، باعتبارها ــــ بفعل ما قامت به وليس منّة من أحد ــــ باتت رمز المقاومة العربية الجادة والجدية ضد العدو الصهيوني ومن خلفه.
اليوم، يجب القول صراحة، إن حماسة وحافزية عشرات الآلاف من الشباب العربي والمسلم، للانضواء في حرب مجنونة لتدمير البلاد والعباد، من دون إطلاق هتاف واحد ــــ فضلاً عن رصاصة واحدة ــــ ضد إسرائيل، له ترجمة وحيدة: أن هذا من فعل العدو الصهيوني نفسه، ولو بأسماء عناوين وفي ساحات أخرى. وبهذا المعنى، بات واجباً القول إن مشاركة المقاومين والأحرار العرب في التصدي لهذا العدو، هي امتداد لمواجهة الاحتلال وعملائه. إنها، باختصار، المعركة نفسها.
إن الوعي السياسي الواضح والمباشر لهذه الحقيقة، ليس من شأنه منع أحد من ممارسة الرقابة والنقد الكافيين لأي سلوك سياسي أو حربي أو أخلاقي يقوم به أي طرف ضد الجمهور العام. وليس هناك من هو مضطر إلى تبرير جرائم الحرب أو فسادها أو خلافه من الموبقات التي مهما تراكمت فلن يبلغ ارتفاعها ما يحجب الصورة الأساس، وهي صورة المعركة المفتوحة في وجه التحالف غير العادي، الذي يجمع الغرب الاستعماري وعملاءه من الصهاينة والعرب، مع هذا الجيل المجنون من المقتنعين بأفكار وعقائد تعيدنا إلى زمن الجاهلية، لا إلى زمن الإسلام.
اليوم، تمرّ الذكرى العاشرة للحرب المقدسة التي نجح فيها مواطنون لبنانيون، في استثمار قدرات محلية وخارجية، لإفشال أكبر عدوان إسرائيلي على لبنان. وهؤلاء الذين طاردوا دبابات العدو وضباطه وجنوده في كل قرى الجنوب وبلداته، هم الذين يطاردون اليوم عملاء العدو المنتشرين كالفطر في لبنان وسوريا والعراق واليمن. هؤلاء ليسوا أشخاصاً احترفوا القتال للقتال. بل هم احترفوا مقاومة القهر والعدوان، والتضحية، لقناعتهم البديهية بأن الحرب المفروضة عليهم، إنما هي امتداد لحروب إسرائيل ضدهم، ما يجعل قتال هؤلاء المجانين، امتداداً لمقاومة الاحتلال وعملائه...
إنها الحرب المستمرة!