سبعمئة وتسعة وسبعون يوماً ولبنان بلا رئيس للجمهورية.
يأتي وزير خارجية فرنسا جان مارك ايرولت الى بيروت ويمضي في اليوم التالي، ولا بصيص أمل في إحداث خرق في جدار الأزمة الرئاسية. وحده الحوار السعودي ـ الإيراني «الذي لا بد منه»، على حد تعبير الرئيس نبيه بري، هو الكفيل بإحداث انفراج في هذا الملف وفي غيره من الملفات الإقليمية.
التسوية الرئاسية لن تأتي من خارج لبنان. هذا ما ردده وزير خارجية فرنسا، ليل أمس، أمام ضيوفه في قصر الصنوبر، وبينهم أكثر من مرشح رئاسي. في المقابل، لسان حال اللبنانيين أن الفرصة الرئاسية لم تعد بأيديهم. في هذا السياق، قال الرئيس بري لـ«السفير» إنه في حال عدم التوصل إلى قانون انتخابي جديد في موعد أقصاه تشرين الثاني المقبل، فإنه يقطع يده ولا يمدد للمجلس النيابي مجدداً، وبالتالي، سيكون لزاماً على وزارة الداخلية التحضير لانتخابات نيابية ستجري في الربيع المقبل وفق القانون المعمول به، أي قانون الستين.
يأتي موقف بري بالتزامن مع مناخ عمّمه «التيار الوطني الحر» حول ما يجري من حوار داخل «تيار المستقبل»، لجهة حسابات الربح والخسارة من خيار تبنّي ترشيح العماد ميشال عون بدل النائب سليمان فرنجية، وهذا الخيار ينحاز إليه عدد من قيادات «التيار الأزرق» وأبرزهم الوزير نهاد المشنوق وقوامه افتداء «الصيغة» (الطائف) بتبنّي «الجنرال»، فيما يبرز موقف اعتراضي حاد لفريق آخر يتقدمه الرئيس فؤاد السنيورة الذي يعتبر أن هذا الخيار يساوي الانتحار سياسياً.
واللافت للانتباه هو ما قاله مصدر واسع الاطلاع في «المستقبل» بأن الحذر الغربي وتحديداً الأميركي من العماد عون «يكاد يفوق حذر كل الآخرين وبأشواط كثيرة»، وقال لـ «السفير»: «هل يعقل أن يقبل الأميركيون بالعماد عون رئيساً في خضمّ تحشيدهم ضد «حزب الله» ومحاصرته بالعقوبات المالية والمصرفية»؟
وفي المقابل، يحاول العماد عون تبديد بعض الأجواء المتحفّظة أو الرافضة لوصوله الى رئاسة الجمهورية، وتردد في هذا السياق، أنه طلب زيارة العاصمة السعودية من أجل الاجتماع بكبار المسؤولين في المملكة، وذلك غداة العشاء الذي أقامه السفير السعودي في لبنان علي عواض عسيري على شرف قيادات لبنانية قبيل شهر رمضان في دارته في اليرزة. وفهم أن عون تبلّغ اشارات ايجابية لم تترجم بتحديد موعد لزيارته حتى الآن.
وقال نائب ماروني في «تكتل التغيير» لـ «السفير» إن رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع «يتحرك تحت سقف «اعلان النيات»، وهو كان صادقا عندما بادر باتجاه كل من سعد الحريري ووليد جنبلاط من أجل شرح مبررات تبنيه ترشيح العماد عون، وهو تمنى عليهما أن يخرجا البلد من واقع الشغور عبر تبني ترشيح رئيس «تكتل التغيير»، وقد فهمنا أن جواب الحريري لم يتغير جوهرياً، برغم اشارته اللافتة للانتباه بأنه يفضل انتخاب أي رئيس للجمهورية على بقاء الوضع على ما هو عليه حاليا، فيما كان جنبلاط حريصا على القول إنه لن يكون جزءاً من أي اصطفاف طائفي بوجه أي طائفة في محاولة لعزلها أو حشرها تحت أي عنوان من العناوين، وقال جنبلاط لجعجع، وفق المصدر نفسه:»أنصحك بأن تذهب الى عند كل من الرئيس بري وقيادة «حزب الله» وأن تحاول اقناعهما بمبرراتك، فأنا لا أستطيع القيام بأكثر مما قمت به حتى الآن ولا أريد أن أتسبب لنفسي بالمزيد من الاحراجات».
عند هذا الحد، بلغ مسعى جعجع الحائط المسدود، خصوصا أنه كان في لقائه مع الحريري حادا في هجومه على «حزب الله»، معتبرا أن الحزب يتلطى وراء دعم ترشيح عون من أجل اطالة أمد الفراغ، وأن أفضل طريقة لاحراج «حزب الله» وكشف نياته، تتمثل بسحب ترشيح فرنجية وتبني «الجنرال»، على حد تعبير المصدر نفسه».
وأوضح المصدر في «تكتل التغيير» أن العماد عون لم يتطرق خلال زيارته الى عين التينة الى الملف الرئاسي نهائيا، لكن وزير الخارجية جبران باسيل، ولحظة مغادرته مقر الرئاسة الثانية، بعد ابرام «التفاهم النفطي» ألمح الى وجود فرصة لعقد تفاهمات أخرى، فكان جواب بري «عدس بترابو وكل شي بحسابو»، وهنا قال له باسيل «أيا كان موقفك دولة الرئيس، فإن العماد عون يحبك»، وسارع رئيس المجلس للرد «وأنا أحبه أيضا»!