تُصادف اليوم الذكرى السنوية العاشرة للحرب التي شنّتها إسرائيل على لبنان، والتي استمرت ثلاثة وثلاثين يوماً، عقب عملية خطف نفذها «حزب الله» وراء الخط الأزرق الحدودي حيث تمكّن خلالها من أسر جنديين إسرائيليين لمبادلتهما في وقت لاحق بأسرى لبنانيين على رأسهم سمير القنطار الذي عاودت واغتالته إسرائيل منذ فترة عند أطراف منطقة الجولان في سوريا.

في 12 تموز 2006 قرّر «حزب الله» خوض مغامرة غير محسوبة النتائج على لبنان كدولة وشعب، وعلى علاقة البلد بالمجتمع الدولي وعلى وجه الخصوص بعض الدول العربية التي كان لها نصيب وافر من اتهامات الحزب، لكنها أصرّت بعد انتهاء الحرب على تقديم المساعدات المتعددة والمتنوّعة للبلد المنكوب الخارج من حرب شبه مدمرة ومد يد العون له في المجالات كافة.

خلال تلك الحرب التي أنهكت اللبنانيين وأعادتهم عشرات السنين إلى الوراء، وزّع «حزب الله» مهامه على محاور عدة، فإلى جانب مهامه العسكرية، كان هناك فريق سياسي من ضمنه معنياً بتوجيه الاتهامات إلى الحكومة التي كان يرأسها الرئيس فؤاد السنيورة، وقد تنوّعت أو تراوحت اتهامات الحزب للحكومة، بين التقاعس والهروب، وبين التخوين والعمل ضد «المقاومة». في وقت كان يشهد فيه العالم كلّه وجزء كبير من اللبنانيين ومنهم من هم حلفاء للحزب، أن السنيورة كان رجل دولة مسؤولاً حيث ثبّت في سياسته مرجعية الدولة وجنّب البلد وشعبه مزيداً من الخراب والويلات من خلال السياسة الحكيمة التي اتبعها خلال المفاوضات، فلم يكن همّه لا مصالح «حزب الله» ولا إيران، ولا أميركا وإسرائيل. بل كانت أولويته وقف الحرب بأي شكل من الأشكال، والجميع يذكر يوم طالب خلال انعقاد مجلس الوزراء بعد ساعات على بدء الهجوم الإسرائيلي، بوقف هذا الهجوم ودعا مجلس الأمن للانعقاد واتخاذ مواقف واضحة، وكيف عاد وأعلن خلال العدوان وتحديداً في الخامس عشر من تموز، أن لبنان دولة منكوبة.

عمل السنيورة جاهداً خلال فترة حرب تموز، على جميع الخطوط الدولية لإنهاء حالة النزيف التي كان يعاني منها البلد. يومها كان الموت يتوزّع على الطرقات ويُحاصر اللبنانيين في المنازل وداخل المؤسسات العسكرية والمدنية، وفي تلك الفترة حصل تباين واضح بين الديبلوماسي الأميركي ديفيد ولش والرئيس السنيورة بسبب تمسكه مع الرئيس نبيه بري الذي وصف حكومة السنيورة لاحقاً بـ»حكومة المقاومة السياسية»، بوقف نار فوري وتمسك مجلس الوزراء بالنقاط السبع في مواجهة المشروع الأميركي الفرنسي، والتأكيد أن لبنان لن يسلّم لإسرائيل بما عجزت عن تحقيقه بالحرب، وقد شمل هذا المشروع: ترسيم الحدود وإقامة منطقة عازلة وإعادة فتح المطار والمرافئ وتطبيق الطائف. ففي كل يوم كان يمر من حرب تموز، كان السنيورة يثبت أنه رئيس حكومة كل لبنان لا رئيس فئة دون أخرى أو حزب أو جهة.

منذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلي الغاشم على لبنان، طالبت الحكومة اللبنانية بوقف لإطلاق النار شامل وفوري وغير مشروط وبانسحاب القوات الإسرائيلية المعتدية، وظلت الحكومة تحمل في عملها الديبلوماسي هذين المطلبين أينما ذهبت. وما صيغة القرار التي تم التوصل إليها في مجلس الأمن والتي حملت الرقم 1701، إلا نتيجة لمفاوضات مضنية رفضت فيها الحكومة اللبنانية مشاريع متعددة منها مشروع مقترح لقوة متعددة الجنسيات ولصدور القرار تحت الفصل السابع. ومن يستعيد تلك الفترة سواء في الذاكرة أو من خلال العودة إلى الوثائق، يتأكد أن الحكومة في ذلك الوقت، نجحت إلى حد بعيد في حفظ حقوق لبنان وحماية شعبه ولم تفرّط بذرة سيادة وهي التي رفضت وقفاً هشاً للنار يسمح لإسرائيل باستئناف عدوانها على لبنان ساعة تريد وظلت تفاوض حتى الساعة الأخيرة لصدور القرار عن مجلس الأمن من أجل أن يحتوي هذا القرار ما يضمن مصلحة لبنان. وبعد مرور عشرة أعوام على العدوان، يُسجل للرئيس السنيورة، أنه أظهر لبنان كدولة مُعتدى عليها، بعد أن وضعه «حزب الله» ومن خلفه إيران، في خانة المُعتدي.

يقول السنيورة في أحد لقاءاته الصحافية «صحيح أن حزب الله ليس من عاداته إطلاع أحد على خططه العسكرية، وعلى العمليات التي يريد تنفيذها. لكنّ عمليته خارج منطقة مزارع شبعا المحتلة، والتي أدت إلى خرق الخط الأزرق على الحدود الدولية بين لبنان وإسرائيل، هي بالغة الخطورة على لبنان. خصوصاً أن الأمين العام السيد حسن نصرالله، كان وعد فيها بصيف لبناني هادئ على الحدود الجنوبية كان لبنان والاقتصاد اللبناني واللبنانيون في أشد الحاجة إليه لالتقاط الأنفاس«. وبعد الحرب تحمّلت الحكومة اللبنانية تكاليف ما هدمته إسرائيل، فراحت توزّع الاحتياجات على اللبنانيين بحسب الأضرار التي لحقت بهم، في حين أن الحزب كان يُغدق من المال «الطاهر» و»النظيف» على جماعاته، وهناك جزء كبير من اللبنانيين فضّل ترك المناطق التي كانت تخضع لحسابات الحزب العمرانية والسياسية.

ويشرح السنيورة ما دار من حديث خلال لقائه المعاون السياسي لنصرالله حسين الخليل حيث بادره بالسؤال: ألا تخشون على لبنان وشعبه من عواقب ذلك؟ ألا ترون ماذا يحدث في غزة؟ فأجابه: لبنان ليس مثل غزة، ولن يفعل الإسرائيليون شيئاً. مَن قال لك إنهم لن يفعلوا شيئاً؟ هذا الحوار يؤكد أن «حزب الله» لم يقم بدراسة شاملة تتعلّق بحجم الرد الإسرائيلي وما سيكون عليه الوضع بعد خطف الجنديين. كما تصرف الحزب كميليشيا مسلحة لا تهمها مصالح الدولة ولا مؤسساتها ولا حتّى شعبها في حين أن الحكومة كان همّها الأوحد، وقف العدوان تحت أي ظرف وحقن دماء اللبنانيين وبالتالي عودة النازحين إلى منازلهم وقراهم.

وفي تأكيد على موقف السنيورة المسؤول، يقول نائب مستشار الأمن القومي الأميركي، في إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، والمسؤول عن السياسات الأميركية في الشرق الأوسط، إليوت أبرامز، في مقال نُشر منذ أياّم إن «السنيورة عمل على منع وجود جنود لدول قوية عند الحدود بين لبنان وإسرائيل يكون تابعاً مباشرة لحلف شمالي الأطلسي في حين أن أميركا كانت تعمل وفق خطة للدفع قدماً بالقرار 1559 الصادر عن مجلس الأمن لتجريد حزب الله من سلاحه، وخصوصاً في جنوب لبنان. وإن المعضلة الرئيسية التي حالت دون تحقيق الأهداف الأميركية، ومن بينها تحقيق وجود دولي موسع، هو رفض السنيورة ذلك«.

وعندما طالب الرئيس السنيورة بمزارع شبعا، ردت وزيرة خارجية أميركا آنذاك كونداليزا رايس، بأنه مطلب سخيف، خاصة أن الأمم المتحدة أقرت بأن إسرائيل انسحبت عام 2000 من الأراضي اللبنانية. لكن إصرار السنيورة، دفعها بعد أسبوعين على بدء هذه الحرب لتعلم رئيس حكومة إسرائيل إيهود أولمرت ووزيرة خارجيته تسيبي ليفني، بأن أي قرار عن الأمم المتحدة حول إنهاء المواجهة، سيتضمن الإشارة الإلزامية إلى مزارع شبعا. كل هذه المواقف تعني أن مواقف السنيورة لم ترضِ لا الجانب الأميركي من جهة ولا «حزب الله» من جهة ثانية، إنما لأنها انطلقت من مصلحة لبنان أولاً.

 

علي الحسيني