في كل مرة أدخل فيها لأقرأ مقالا حول الشيعة الجعفرية في سوريا على الشبكة العنكبوتية المسماة بالإنترنت، أرى المواقع الطائفية التابعة لإيران (مثل مركز الأبحاث العقائدية التابع للسيستاني، ومثل موقع المجمع العالمي لأهل البيت التابع للخامنه-إي) وحتى المواقع الغربية (كويكيبيديا) تعطي أرقاما ومعلومات غير دقيقة ومتناقضة حول أعداد السوريين الشيعة، كرقم الـ3 أو 5 مليون الذي أعطوه للشيعة السوريين (بعد جمع أعداد الشيعة الجعفرية "الإثناعشرية" مع الشيعة الإسماعيلية مع العلويين)، أو حول أماكنهم كإدراج مناطق أهلها كلهم أو بعضهم تشيعوا حديثا (كتل ذهب في حماة، وحطلة في دير الزور)، وفي مقالتي هذه سأستند على لغة الأرقام ولغة المصادر التاريخية الحيادية الرصينة، التي لا تخطئ ولا تنحاز، لكي أصل إلى الحقيقة والموضوعية.
في إحصاء عام 1943 م الذي نظمته فرنسا حول الطوائف السورية كانت النتائج كالآتي (تقريبا) :
* السنة : 1,970,000 نسمة (68.9%) * المسيحيون : 403,000 نسمة (14.1%) * العلويون : 325,300 نسمة (11.4%) * الدروز : 87,200 نسمة (3%) * اليهود : 29,800 نسمة (1%) * الشيعة الإسماعيلية : 28,500 نسمة (1%) * الشيعة الجعفرية : 12,700 نسمة (0.4%) * الآيزيديين : 2,800 نسمة (0.1%)
المجموع : 2.86 مليون نسمة
وفي إحصاء عام 1951 م الذي نظمته الحكومة السورية آنذاك كانت النتيجة كالآتي (تقريبا) :
* السنة : 2,306,000 نسمة (70.4%) * المسيحيون : 460,400 نسمة (13.8%) * العلويون : 374.900 نسمة (11.2%) * الدروز : 104.900 نسمة (3.1%) * الشيعة الإسماعيلية : 34,500 نسمة (1%) * اليهود : 31,500 نسمة (1%) * الشيعة الجعفرية : 14,200 نسمة (0.4%) * الآيزيديين : 2,900 نسمة (0.1%)
المجموع : 3.33 مليون نسمة
وفي آخر إحصاء رسمي نشر عام 1985 م في كتاب "سوريا بالأرقام : دليل إحصائي شامل" للمركز اللبناني للدراسات الاستراتيجية كانت النتيجة كالآتي (عدد سكان سوريا في وقتها بلغ 10.3 مليون نسمة) :
* السنة : 76.1% (7.84 مليون نسمة) * العلويون : 11.5% (1.185 مليون نسمة) * المسيحيون : 8% (824 ألف نسمة) * الدروز : 3% (309 ألف نسمة) * الشيعة الإسماعيلية : 1% (103 ألف نسمة) * الشيعة الجعفرية : 0.4% (41 ألف نسمة)
إذا نستنتج من هنا، أن السوريين الشيعة لا يشكلون ثقلا ديموغرافيا يكاد يذكر في النسيج الاجتماعي السوري على مدار التاريخ، ولم تحدث أي زيادة مفرطة في أعدادهم إلا في عهد نظام آل الأسد، حيث عمليات التشييع من قبل إيران والمرجعيات الفارسية، وحيث هجرة أعداد كبيرة من الشيعة الريفيين في حلب ودمشق وحمص إلى مدينتا دمشق وحلب بغرض الإقامة والعمل أو الدراسة الحوزوية، وحيث تجنيس أعداد كبيرة من اللبنانيين الذين نزحوا لسوريا خاصة في أيام الحرب الأهلية (1975 م - 1990 م)، وفي أيام العدوان الصهيوني على لبنان (تموز / يوليو 2006 م)، ناهيك عن تجنيس كثيرين من العراقيين والفرس الشيعة
ويتركز وجود الشيعة السوريين في هذه المناطق الآتية :
* محافظة حلب : بلدتي نبل والزهراء، وتقعان في الريف الشمالي للمدينة، يشكلون فيهما أكثرية
* محافظة إدلب : بلدات الفوعة وكفريا وزرزور في الريف الشمالي الشرقي والشمالي للمدينة، ويشكل فيها الشيعة أكثرية، بينما الشيعة يشكلون في معرة مصرين التي تقع شمال شرق مدينة إدلب أقلية
* محافظة حماة : يوجد في بلدة مصياف أقلية من الشيعة كانت من أصول علوية، تشيعت بفعل تيار الإحياء الجعفري الذي أسسه الشيخ عبد الرحمن الخير في الخمسينات والستينات من القرن الماضي
* محافظة حمص : يشكل الشيعة أقلية صغيرة في المدينة حيث أحياء البياضة والعباسية، أما الأرياف فهم يتوزعون بين الأرياف الشرقية والغربية للمدينة في أكثر من 40 إلى 60 قرية وبلدة، من أبرز هذه القرى والبلدات : الغور الغربية، الربوة (الدلبوز)، أم العمد، جنينات، أم حارتين، المزرعة، السماقيات، حاويك، الحميدية .. الخ
* محافظة ريف دمشق : يشكل الشيعة أقليات صغيرة في الغوطة الشرقية، ويسكنون بلدات راوية وحوش الصالحية وعين ترما، أما تواجد الشيعة في بلدة السيدة زينب فهو حديث
* محافظة دمشق : يسكن أغلبية الشيعة في حي الأمين (الخراب) في دمشق القديمة (أكثرية)، مع أقليات في الجورة والصالحية
* محافظة درعا : يشكل الشيعة أقلية في بصرى الشام، وهم بالأصل لبنانيون نزحوا من جبل عامل قبل 150 سنة
لكي نعرف الرقم التقريبي للشيعة في سوريا، علينا القيام بمعادلة حسابية طويلة لكي نطلع على حقيقة هذا العدد :
- أولا : كان عدد سكان سوريا في عام 1981 م 9.3 مليون نسمة، بينما كان عدد سكان سوريا في عام 2011 م 24.5 مليون نسمة، وهذا يعني أن معدل النمو السكاني في سوريا قد بلغ 3.3%
- ثانيا : بما أن أغلبية الشيعة تتركز في محافظتي حلب وادلب، سنجد أن معدلات النمو في هذين المحافظتين أكثر من معدل النمو السكاني، إذ يبلغ معدل النمو 4.5%
- ثالثا : سنضاعف الأعداد الثلاثة المذكورة في الإحصاءات (1943 م - 1951 م - 1985 م)، حتى نصل لأعداد تقريبية للشيعة السوريين، لتظهر لنا هذه النتائج :
الفرضية الأولى (1943 م - 2011 م) : حوالي 250 ألف نسمة (1% من جملة سكان سوريا) الفرضية الثانية (1951 م - 2011 م) : حوالي 200 ألف نسمة (0.8% من جملة سكان سوريا) الفرضية الثالثة (1985 م - 2011 م) : حوالي 130 ألف نسمة (0.5% من جملة سكان سوريا)
- رابعا : بالنسبة لأعداد المتشيعين في سوريا، فقد بلغت أعدادهم حسب إحصائية أجرتها حركة العدالة والبناء في كتاب "البعث الشيعي في سوريا 1919 م - 2007 م" أكثر من 73 ألف نسمة منذ 1970 م وحتى 2007 م (بمعدل 1973 متشيعا في السنة)، ولو أبقينا المعدل على حاله حتى عام 2011 م فإن العدد سيصل تقريبا إلى 80 ألف متشيع
بذلك تكون أعداد الشيعة في سوريا مع أعداد المتشيعين كالأتي :
الفرضية الأولى : 250000 + 80000 = 330 ألف نسمة (1.3% من سكان سوريا) الفرضية الثانية : 200000 + 80000 = 280 ألف نسمة (1.1% من سكان سوريا) الفرضية الثالثة : 130000 + 80000 = 210 ألف نسمة (0.9% من سكان سوريا)
وهذا يعني أن أعداد الشيعة في سوريا تتراوح تقريبا ما بين 200 إلى 300 ألف نسمة، أي ما بين 0.8% إلى 1.2% من جملة سكان سوريا، وليس كما يرفعها الإيرانيون والغربيون إلى 2% أو حتى إلى 20% من جملة السكان .. !!
إن التلاعب بالأرقام الديموغرافية لسكان منطقة المشرق العربي من قبل الفرس والغربيين عملية خطرة تندرج في إطار الترويج الخبيث للمشاريع التقسيمية الطائفية والعرقية تحت مسمى حماية الأقليات، وان المسؤولية تقع على كل عاقل وواعي أن يبذل كافة جهوده للحد من آثار تلك الكوارث التي تضرب منطقتنا المشرقية العربية، ذلك لا يتحقق إلا عبر التوحد في إطار مشروع وطني مدني جامع تتلخص أهدافه في رفض قوى الاستبداد والتطرف، ورفض التدخلات الخارجية في الشؤون العربية، والعمل على صيانة وحدة واستقلال الأوطان والشعوب، والتعاون والتكاتف نحو بناء دولة المواطنة المدنية الديمقراطية العادلة.
الاستاذ حسين جابر الشمري
الكويت