في اللحظة التي استفاق فيها حزب الله على مذهبيته اكتشف حجم الحضور الطائفي الشيعي في لبنان وبعصبية زائدة أسهمت في الالتفاف حوله بقوّة لم يعهدها في الوسط الشيعي أبّان النشأة وفي مرحلة المقاومة ضدّ العدو الاسرائيلي اذ استعدت الأكثرية الشيعية آنذاك الأقلية المقاتلة للعدو وقد خرجت تظاهرات في الجنوب منددة بالحزب ودوره وبإيران ودورها في لبنان ولم يشهد تاريخ المقاومة حضوراً كثيفاً كما هو عليه الآن اذ أن الأب والابن والأم على استعداد تام للمساهمة والمشاركة في أيّ حرب طائفية ومذهبية في حين أن الوالدان كانا يمنعان ابنيّهما من مواجهة العدو في بدايات الاحتلال.
كما أن غيارى الحزب وظاهرة الدفاع عنه لم تكن زمن الاحتلال بالمستوى الذي هي عليه الآن فأكثر المدافعين عنه اليوم كانوا ضده في الأمس وهذا ما يؤكد نظرية حضور الجمهور الطائفي والمذهبي في المعارك المذهبية والتي يغيب عنها في المعارك غير الطائفية . ربما يكون النظام الطائفي في لبنان سبباً كافياً لتبرير الحضور الطائفي في المعارك الداخلية والمشابهة لها وقد دخل حزب الله هذه المعارك ودخلت معه تأييداً الكتلة الشيعية بأكثريتها رغم أنها تختلف معه في مجالات أخرى .
لقد تأسّس حزب الله على خلفية اسلامية غير مذهبية ولا توجد مفردة مذهبية أو طائفية لا في منشوراته ولا في خطب قياديه من لحظة التأسيس لغاية ما قبل اغتيال رفيق الحريري حتى في ورش الحزب الداخلية من الثقافة الى التعبئة كانت اسلامية الحزب هي المسيطرة لا المذهبية بمضمونها الطائفي حتى أن الحزب نفسه قد خاصم التجربة الشيعية الطائفية وشكك فيها لبعدها عن الأطروحة الاسلامية .
دخلت انجازات المقاومة أبواب العالم العربي والاسلامي بأكثريته السنية وأقام السيّد حسن نصرالله في قلوب العرب والمسلمين وخاصة أثناء التحرير وبعد ذلك بدأ العدّ العكسي وتراجع الحزب حضوراً في الوسطين العربي والاسلامي وخاصة بعد رفعه لشعارات مذهبية في لبنان وسوريا ووقوفه الى جانب سايكس بيكو القديم ورفضه لثورات الربيع العربي وخاصة للربيع السوري وبذلك خسر رصيده السني وتحوّل الحزب من حزب اسلامي نهضوي الى مشروع طائفي يضمر مصالح ايران القومية .
هذا التوصيف السُني للحزب أخرجه من الباب الذي دخل منه كمقاومة غير شيعية وهذا ما أدّى الى ولادة قراءة سنية جديدة لدور حزب الله كمقاومة ضدّ العدو الاسرائيلي . طبعاً نحن هنا نوصّف الواقع لا نحلله أو نحاكمه وهذا ما أدّى أيضاً الى ولادة بيئة شيعية حاضنة للمقاومة كحزب طائفي يعكس قوّة الطائفة على الطوائف الأخرى في الداخل والخارج.
عندما كان حزب الله اسلامياً وبخصوصية شيعية كان أقرب الى محاكاة المجتمع الاسلامي وقد نجح آنذاك في التواصل معه وكان النموذج الذي اخترته الشعوب الاسلامية لتحريرها من قسوة العدو وبطش الأنظمة أمّا اليوم فلا أحد على استعداد لسماعه بعد أن شهر" شيعيته" بوجه سُنيّة الآخرين قد يقول قائل بأن الحروب والصراعات القائمة هي سياسية وهذا صحيح ولكن الحضور والتوظيف الطائفي والمذهبي أسهما في الانقسام الحاصل بين السنّة والشيعة .
طبعاً ستهتز فرائص الطائفيين وسيشتمون كعادتهم ولكنهم لن يغيّروا شيئًا من الحقيقة كما أن الشعور الشيعي المستحضر يقابله شعور سُني أيضاً وبنفس القسوة أو أشدّ منه فتكاً .