كان وزير الخارجية الفرنسية الاسبق اريفيه دوشاريت يقول «ان من يدخل الى الكي دورسيه لا بد ان يكون فيه شيء من لبنان». لم تكن هذه حال لوران فابيوس الذي فيه الشيء الكثير من اسرائيل...
الوزير الحالي جان مارك ايرولت، وان وصف بالشخصية الكلاسيكية، او البيروقراطية، لا بد ان يكون فيه شيء من لبنان. اليوم في بيروت. ربما يتساءل كيف لبلد بهذا الحجم ان يتحمل كل هؤلاء السياسيين بألقابهم الثقيلة (فخامة الرئيس، دولة الرئيس، عطوفة الجنرال، معالي الوزير، سعادة النائب)، ومن اللقب العثماني «البيك» الى اللقب العثماني الآخر «الافندي» كان هناك باشا (حبيب باشا السعد) ولا باشوات بعده...
قبل وصوله كانت باريس قد قالت ما يفترض ان يقال «زيارة من اجل الجمهورية لا من اجل رئاسة الجمهورية. هنا النظام ليس توتاليتارياً ولا ديكتاتورياً ليكون التداخل العضوي (والتاريخي) بين الجمهورية ورئاسة الجمهورية ومع ذلك شعار باريس: لا جمهورية دون رئيس الجمهورية.
باريس قلقة على لبنان. رئيس الاستخبارات الفرنسية برنار باجوليه لا يتصور ان خارطة سوريا والعراق ستعود كما كانت. كيف يمكن ان يبقى لبنان خارج اللعبة وحتى خارج الاعصار؟ لا بد ان تكون عواطف الفرنسيين قد تغيّرت حيال لبنان، ولكن ليس الى حد النسيان. امزجة اللبنانيين تغيرت ايضاً. في كأس اوروبا لكرة القدم كانت غالبية اللبنانيين مع انغيلا ميركل لا مع فرنسوا هولاند.
ايرولت شخصية دؤوبة ويدرس الملفات بدقة. قد يكون هناك من اسرّ باذنه انه سيكون امام كوكتيل عجيب من السياسيين. لماذا لم يضع سيغمند فرويد في حقيبته، او اي عالم نفس معاصر، لكي يستطيع ان يفهم كيف يفكر وليد جنبلاط او ميشال عون او محمد رعد او فؤاد السنيورة وغيرهم وغيرهم وغيرهم...
ايرولت في قصر الصنوبر ويعرف ان على درج القصر اعلن الجنرال هنري غورو قيام «دولة لبنان الكبير». قبل ان يصل كان قد اخذ علماً بان هذه الدولة قامت من اجل المسيحيين بل ومن اجل الموارنة الذين وصفهم الملك لويس التاسع (القديس) بـ «فرنسيي الشرق».
لدى الساسة الموارنة شيء من الشرف الفرنسي، وشيء من التعالي الفرنسي، وايضا شيء من الجمهورية الرابعة الفرنسية، وحيث الجميع يحطمون الجميع. في نهاية المطاف الجمهورية هي التي تتحطم..
الزائر الفرنسي سيسأل اين الموارنة؟ هل حقاً ان باتريس باولي، رئيس دائرة الازمات في وزارة الخارجية، قال له ان هناك صراعين في لبنان صراع كبير بين السنّة والشيعة، وصراع صغير بين الموارنة والموارنة؟
لا رئيس جمهورية هناك، حين يلتقي قائد الجيش جان قهوجي او حاكم مصرف لبنان رياض سلامة سيكتشف ان الموارنة، من غير السياسيين، هم الذين يحمون لبنان عسكرياً ومالياً. ما حال السياسيين؟
مهما قيل، ليس الموارنة هم الذين يختارون رئيس الجمهورية حتى ولو تقمص سمير جعجع شخصية قسطنطين الاكبر وحاول ميشال عون ان يرسم على جبينه صليب اللورين. السنّة والشيعة ان اتفقوا، داخلياً وخارجياً، هم من يختارون الرئيس الماروني.
بطبيعة الحال يصل القلق الفاتيكاني الى فرنسا، وهي الابنة الكبرى للكنيسة. في الحاضرة البابوية خوف كبير من اعادة هيكلة السلطة في لبنان، ثمة ازمة عضوية وبنيوية، وثمة قناعة بان الصراع السني - الشيعي قد يستمر لمائة عام. في هذه الحال اين المسيحيون؟ وما هو مصيرهم ان خسروا رئاسة الجمهورية.
فرنسياً، زمن القبعات السرية انتهى. شارل ديغول قال «اذهب الى الشرق المعقد بافكار بسيطة». هذه هي حال جان - مارك ايرولت «اذهب الى لبنان المعقد بافكار بسيطة». قلق ودعم ونصيحة اخيرة بالحفاظ على الستاتيكو بانتظار ما ستؤول اليه النيران...
لبنان في البال
كل ما في الامر «لبنان في البال». فرنسا ليست من اهل القرار، حتى انها وعدت بل تعهدت لمسؤولين كبار باقناع السعوديين بالافراج عن هبة الثلاثة مليارات دولارات. بعد اسبوعين فقط كان السفير السعودي علي عواض عسيري يعلن «طي هذه الصفحة». الهبة الغيت، بحيثيات غير مقنعة، وقضي الامر...
واليوم تهبط في بيروت (على بيروت) من «الكوكب الاميركي» السفيرة اليزابيت ريتشارد، لا جديد في حقيبتها. لمن تقدم اوراق اعتمادها؟ هذه ليست بالمسألة التي تعني واشنطن كثيراً. كان السناتور وليم اولبرايت يقول «اميركا عاشقة الازمات».
الاهتمام الاميركي بالمؤسسة العسكرية وبالمؤسسات الامنية. مسؤول كبير غير مدني وسمع من جنرال اميركي عبارة عن لبنان «جمهورية للمستقبل». لم يكن يقصد تــيار المستقبل، بل كان يريد القول ان لبنان الباقي كما هو سيضطلع بدور كبير في عمليات اعادة سوريا الجـديدة والعراق الجديد. النوم، اذاً، على الحريري الاميركي...
واشنطن تبدو لا مبالية حيال الازمة السياسية، هــل لان ثمة ازمات في المنطقة اشد هولاً بكثير؟ ام لانها تعتبر ان الازمة اللبنانية جزء من الازمة (او الازمات) الاقليمية، ولا داعي لاضاعة الوقت، حين تتبلور ظروف التسوية فــي المنطقة تدخل التسوية الى لبنان من الباب العريض...
حالة انعدام الوزن
الطريف ان بعض السياسيين كان يقول ان لبنان من دون رئيس جمهورية معقول. لبنان من دون سفير اميركي في حالة انعدام الوزن. هكذا سارعت واشنطن الى ايفاد السفير السابق ريتشارد جونز الى بيروت ليتولى مؤقتاً رئاسة البعثة في المدة الفاصلة بين انتهاء مهمة ديفيد هيل ووصول اليزابيت ريتشارد.
لا ينتظر من سعادة السفيرة ان تكسر المراوحة الراهنة. لبنان ليس اولوية سياسية. الادارة الاميركية تركت الملف الرئاسي الى لاعبين (وطهاة) آخرين بعدما لاحظت ان حلفاء لها وخصوم لها يتجاذبون الكرسي الرئاسي، دون ان تكون هناك اي بارقة في الافق بان الصراع الاقليمي يمكن ان يصل الى حل او الى تسوية لاي من الملفات العالقة بين اسنان الفريقين.
هذا لا يعني ان الجميع استسلموا للامر الواقع مع وجود مخاوف من ان تفضي الفوضى السياسية (والدستورية) الى انفجار ما (انفجار حكومي مثلاً). رئيس المجلس النيابي حدد موعد لجلسة الحوار ايام 2 و3 و4 آب. هذا هو الحد الفاصل. اما رئيس جمهورية وجمهورية او لا رئيس جمهورية ولا جمهورية.
الحريري يتواصل
هذه المرة يحكى عن ان مراجع سياسية كبيرة تعمل على السيناريو الرئاسي. مصدر رفيع المستوى في تيار المستقبل قال لـ«الديار» ان الرئيس سعد الحريري على تواصل مع بري وكذلك مع النائب وليد جنبلاط الذي لم يقترب من الدكتور سمير جعجع على ذلك النحو «العاطفي» لو لم تكن اللعبة السياسية تعمل في اتجاه معين.
حديث عن ان كل شيء يجري بعيداً عن الاثارة التلفزيونية. ثغرة في الجدار. كلام كثير، وبلهجة مرتفعة، حول ذلك، مع اشارة بعدم التوقف عند التصريحات التي يطلقها نواب من هنا وهناك لان غالبية النواب الزوج المخدوع آخر من يعلم...
المعنى السعودي
هل تعود العصا السحرية الى العمل؟ الجواب يتوقف على ما سيحمله الحريري من المملكة العربية السعودية، وراء الضوء تأكيد بان زيارة الجنرال لمفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان تحمل اكثر من معنى «سعودي»، وكذلك تأكيد بان ملف رئيس تكتل التغيير والاصلاح عاد الى الضوء.
البلاط السعودي يولي اهمية كبيرة لعودة رئيس تيار المستقبل الى السراي الحكومي تعزيزاً للحضور السني في العملية السياسية ولاغراض اخرى منها ما هو سياسي ومنها ما هو شعبي ومنها ما هو سيكولوجي. ايضاً منها ما هو... استراتيجي.
شهر آب، اما الخروج من عنق الزجاجة او الانفجار السياسي، سباق مع عقارب الساعة!!