ثورة عرسال...!
البلدة التي خطط لها من خطط، بجرودها الشاسعة التي تطل على كل بلدات منطقة القلمون السورية، وبعديد سكانها، وبحساسيتها الجيوستراتيجية الفائقة، ليس فقط لتضطلع بدور حاسم في تحديد مستقبل سوريا بل وفي تحديد مستقبل لبنان ايضاً، ما لبثت ان تحولت الى ضحية واهلها الضحايا..
اكثر من خمس سنوات من الفوضى حتى ليقول احد وجهاء البلدة لـ«الديار» «اننا فقدنا هويتنا»، مستعيداً وصف وزير الداخلية لعرسال بـ«المحتلة». و«لا ندري ما اذا كنا في قبضة الجرود ام في قبضة المخيمات».
مثلما وصلت سوريا الى الطريق المسدود، وصلت عرسال الى الطريق المسدود، فوضى السلاح، وفوضى القتل، وفوضى الاختطاف، والبلدة التي كانت تعيش حالة من الازدهار بفعل المقالع والكسارات، وبفعل البساتين والمزارع، دمرت دورتها الانتاجية بصورة شبه كاملة. الطرقات مقفلة، والمسلحون يمنعون الاهالي من التوجه الى المقالع والكسارات والمزارع، خراب اقتصادي بما تعنيه الكلمة، لا بل ان هناك من يتحدث عن... الخراب الانساني.
لتنظيم «داعش» اتباعه ولـ«جبهة النصرة» اتباعها. تيارات وافكارغريبة اخترقت عرسال التي طالما عرفت بعلاقاتها المفتوحة، بل والاستراتيجية، مع المحيط. وكان هناك في «السلطة البلدية» من تكيف مع هذا الوضع بل وتواطأ معه دون اي اعتبار للتدهور الكارثي الذي تعيشه البلدة...
الانتخابات البلدية كانت الاختبار الميداني لتوجهات الاكثرية الساحقة من البلدة، باسل الحجيري هو الآن رئىس المجلس البلدي. هذه التي امامه ليست عرسال التي يفترض ان تثور ضد الاحتلال. مرجع سياسي بارز في المنطقة قال لـ«الديار» ان البلدة بدأت منذ نحو عام مسيرتها نحو الدولة، ولكن ليشير الى ان الوضع معقد جداً. اهالي البلدة يطالبون بتنظيف الجرود من المسلحين، ليس هناك من سبيل آخر لانقاذ عرسال او لاستعادة هويتها سوى عملية جراحية واسعة النطاق يقوم بها الجيش اللبناني..
خارطة عرسال تبدو سريالية بكل ما تعنيه الكلمة. احياء وتتداخل مع المخيمات، ومخيمات وتتداخل مع الجرود. البلدة تبدو وكأنها جزء لا يتجزأ من الحالة السورية. الحل العسكري صعب جداً ان لم يكن مستحيلاً، الا اذا حصل تنسيق عسكري واستخباراتي مع الجانب السوري.
هذه المسألة دونها عوائق كثيرة لمن يعرف تضاريس المنطقة التي هي اشبه ما تكون بتضاريس تورا بورا، لكن الحجيري يعتبر ان التعايش مع الوضع بات مستحيلا ومدمراً. ماذا سيقول العماد جان قهوجي لرئىس بلدية عرسال غدا الاثنين؟
حتى قصر بعبدا يبدو وكأنه جزء من الازمة السورية. الطريف ان يقال ان القصر الجمهوري في بعبدا يتاخم قصر الشعب في دمشق، لا بل ان وزيراً سابقاً يطرح اسمه بين الحين والآخر كمرشح رئاسي قال لـ«الديار» «اخشى ان يكون الاستحقاق الرئاسي قد اصبح جزءاً من معركة حلب».
هذه المعركة التي دارت دورتها حول الشرق الاوسط وربما دارت دورتها حول الكرة الارضية، ليتبين ان فلاديمير بوتين الغاضب من تمدد حلف شمال الاطلسي، ومن الخطط الخاصة بفرض الحصار حول بلاده عبر الدرع الصاروخية، قرر ان يذهب في الصراع داخل سوريا الى حدوده القصوى.
اذا عادت حلب الى يد النظام الذي معه دمشق وحمص وحماة واللاذقية، وكل الساحل، اين تصبح المعارضة التي بدأ بعض اركانها يشتكون من ان رجب طيب اردوغان «القى بنا اشلاء امام الدببة القطبية». لا بل ان هناك معارضين امضوا سنوات في اسطنبول بانتظار عودتهم على احصنة السلطان الى دمشق يقولون ان مسؤولا في الاستخبارات التركية عرض عليهم التجنيس وحتى العمل. اما بالنسبة للذين تجاوزوا الستين فيتقاضون رواتب تقاعدية على ان يتدبروا امرهم.

ـ السنيورة قائد الاوركسترا ـ

حتماً لا يراهن العماد ميشال عون على معركة حلب ليصل الى بعبدا. هو زار المفتي عبد اللطيف دريان، واتصل بالسفير علي عواض عسيري، ولا مشكلة لديه في ان يتواصل مع الرئىس سعد الحريري او يلتقي به، دون ان يعير اذناً لاولئك الذين يقولون له ان الرئىس فؤاد السنيورة هو المايسترو الذي يقود الاوركسترا الرافضة، بأي شكل من الاشكال، لانتخاب الجنرال رئيساً للجمهورية.
ولطالما تساءل عون عن كيفية ترشيح الحريري للنائب سليمان فرنجية، وهو الحليف الاستراتيجي لـ«حزب الله» كما لدمشق، فيما يتم رفضه، وبصورة حادة، وهو الحليف السياسي لـ«حزب الله»، ومن يقرأ ورقة التفاهم التي وقعت بينهما في 6 شباط 2006 لا بد ان يلاحظ ان هناك نصوصاً اشارت بوضوح الى نقاط الاختلاف بين الجانبين. ولو ندري ما اذا كانت قد تناهت الى عون نصيحة السنيورة له، وكما ينقل احد اعلاميي تيار المستقبل، بالبحث عن مصباح علاء الدين على انه الوسيلة الوحيدة، ولا وسيلة غيرها، للوصول الى قصر بعبدا...
وبدا في الايام الاخيرة كما لو ان هناك «غرفة عمليات» داخل تيار المستقبل ليس فقط للعب باعصاب رئيس تكتل التغيير والاصلاح وانما لتحطيمها، يقولون ان جعجع تبناه تكتيكياً لمنع وصول فرنجية، وان «حزب الله» بدوره، تبناه تكتيكياً لان رئيس تيار المردة اقرب الى القلب الدمشقي منه...

ـ هل هذا ميشال عون؟ ـ

اهم من كل هذا ان اعصاب الجنرال لم تعد تنفجر، الذين تابعوا بـ«التفصيل» لقاءه مع دريان تساءلوا ما اذا كان هذا ميشال عون حقاً؟
وقد يكون عون مثل كل الآخرين يسأل عن السبب الذي يجعل من حوله يتفاءلون كما لو انه بات على رمية حجر من القصر، هل هي التطورات السورية ام هو الاحتمال السعودي بعد زيارة ولي ولي العهد الامير محمد بن سلمان وسماعه كلاماً فرنسياً يحذر من استمرار الازمة، او الازمات، في لبنان مع تزايد المعلومات حول تطورات دراماتيكية على الخشبة السورية؟
عودة الى «الالتباس الخلاق»، نواب تيار المستقبل يرددون الاسطوانة اياها على مدار الساعة، والى حد وصف عون بـ«الايراني»، حتى الآن لم يقولوا «الصفوي»، اما داخل التيار الوطني الحر فتشديد على ان شهر آب هو الشهر الفاصل، اما ان ينجز الاستحقاق الرئاسي او وضع الجمهورية الثانية على المائدة.

ـ اذا وصل الى القصر ـ

ويلاحظ هنا ان الصقور في تيار المستقبل يعتبرون انه اذا وصل عون الى القصر فالبند الاول في جدول اعماله الرئاسي سيكون اعادة النظر في اتفاق الطائف اي الدعوة المقنعة الى المؤتمر التأسيسي.
اما النصيحة الجوهرية التي يحملها وزير الخارجية الفرنسية جان مارك ايرولت فهي «لتبق اقدامكم على الارض»، اي عدم الانزلاق نحو اي خيارات خطيرة في هذا الوقت بالذات، ومع التأكيد على دعم باريس للاستقرار في لبنان من خلال دعم المؤسسة العسكرية والمؤسسات الأمنية...
مصدر ديبلوماسي قال لـ«الديار» ان الزائر الفرنسي سيحاول التركيز على «لبننة» الاستحقاق الرئاسي بعدما سمع من الامير محمد بن سلمان كما من وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف كلاماً واضحاً ومباشراً حول تأييد التسوية السياسية في لبنان.
من يكون الرئىس؟ هنا المشكلة. هذا يعني ان المهمة الفرنسية لن تؤثر في الملف بأبعاده الداخلية والاقليمية المعقدة...
لا شيء يشير الى ان ايرولت في اجواء اتصالات اقليمية او دولية وتتمحور حول شخصية عون. لكن ما يتردد في الكواليس يؤكد ان الموضوع الرئاسي ليس جامداً او مجمداً، بل ان ثمة حركة «داخل الجدار» ويمكن ان تحدث ثغرة في جدار القصر الجمهوري، مع حصول تقارب لافت بين النائب وليد جنبلاط والدكتور سمير جعجع حول الموضوع.

ـ لقاءات الحريري ـ

مصادر سياسية رفيعة المستوى اذ ترحب بلقاءات الوزير الفرنسي في بيروت علها تساعد على احداث مناخ افضل لتمرير الاستحقاق الرئاسي ولو من ثقب الباب، تتحدث عن لقاءات هامة يجريها الرئىس سعد الحريري في المملكة العربية السعودية، اللقاءات تتناول الوضع المالي لهذا الاخير وآليات تجاوزه، وكذلك الملف الرئاسي، ومع اعتبار ان الرياض مع عودة رئىس تيار المستقبل الى السراي الحكومي لاسباب شتى.
المصادر تضيف ان الحريري طرح او سيطرح الوضع اللبناني من كل جوانبه. ميشال عون ولكن بشروط، الخروج من ورقة التفاهم مع «حزب الله» ومن اعلان النوايا من «القوات اللبنانية». جنرال... كما خلقتني يا رب...
واللافت ان بعض المراجع ترى ان وجود رئيس للجمهورية ضروري جداً في الوقت الحاضر. وهذا ما يؤكد عليه الاميركيون الذين، وعبر آموس هوكشتاين، اعطوا الضوء الاخطر لـ«الدورادو» (النفط والغاز) ليقال ان الروس المعنيين كثيراً بشبكات الغاز شركاء لواشنطن في القرار الذي قد يساعد على ارساء قواعد جديدة للعبة في الشرق الاوسط بعدما بدا ان المنطقة، وبدءاً من سوريا وانتهاء باليمن، اكثر تعقيداً بكثير من ان يمسك بها اللاعبون الاقليميون...