منذ ان نشأت الحركات الاسلامية الحديثة منذ اوائل القرن العشرين وحتى الخمسينات ( السلفيون – الاخوان المسلمون – حزب التحرير – حزب الدعوة الاسلامية الى غير ذلك من الحركات والتيارات الاسلامية)، فان هذه الحركات كانت تقدم نفسها انها البديل عن كل القوى والتيارات الفكرية والاحزاب السياسية في العالمين العربي والاسلامي ، وانها في حال وصولها للحكم ستنتشل الامة من ازماتها ان على صعيد التبعية او التنمية اوعلى صعيد تطبيق الحكم الرشيد، وصولا لتحقيق رسالة الله والانبياء والائمة على الارض وخصوصا العدالة والسلام والرحمة.
واليوم وبعد مضي حوالي المائة عام على نشوء هذه الحركات ووصول العديد منها الى مواقع متقدمة في الحكم والسلطة وانشاء دول اسلامية وانتشار مختلف التيارات الاسلامية الفكرية والجهادية والسياسية في معظم انحاء العالم ، او ما يمكن تسميته : النزول من السماء على الارض ؟ ماذا حققت هذه الحركات والقوى وهل نجحت في تطبيق الشعارات التي رفعتها وهل اصبح حال الامة اليوم افضل مما كان عليه قبل تأسيس هذه الحركات وانتشارها.
لا يمكن في مقال صحافي ان يتم تقييم كل تجربة الحركات الاسلامية بايجابياتها وسلبياته ، لان ذلك يتطلب دراسات وابحاث مطوّلة ، ولان لكل حركة او تيار او حزب ظروفه الخاصة في اطار البلد الذي يعيش ويعمل فيه، كما ان هناك تجارب اسلامية ناجحة وتجارب فاشلة وتجارب لم تكتمل او لم يتم اعطائها الفرصة لتطبيق الافكار والشعارات التي رفعتها.
لكن من خلال اطلالة عامة على واقع الحركات الإسلامية في هذه المرحلة ، يمكن القول انها تواجه تحديات جديدة على صعيد الرؤية الفكرية والمشروع السياسي وآليات العمل.
فقد رفعت معظم الحركات الإسلامية شعارات عديدة تعلن فيها: أنها تسعى لتقديكم تجربة سياسية وفكرية جديدة مغايرة للتجربتين:
أولاً الرأسمالية، ثانياً الاشتراكية والشيوعية، وأن الإسلام يحمل مشروعاً استقلالياً فكرياً وسياسياً، وأنه إذا نجحت الحركات الإسلامية في الوصول إلى الحكم فإنها ستقدم نموذجاً جديداً على الصعد الفكرية والأخلاقية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية.
كما رفعت هذه الشعارات دوماً: أن الإسلام هو الحل، وأن العودة للخلافة الإسلامية أو إقامة الدولة الإسلامية سيؤمن للبشرية للخلاص والسعادة والطمأنينة والرفاهية والتنمية.
كما أعلنت هذه الحركات أنها ستمارس الاستقلالية السياسية والأخلاقية بعيداً عن الفساد وحب الدنيا والعمل من أجل المصالح الدنيوية والذاتية والسلطوية.
وها نحن اليوم أمام تجارب إسلامية عديدة سواء في الحكم أو المعارضة أو على صعيد العمل السياسي والجهادي، ولا سيما بعد الثورات العربية.
وإذا نظرنا إلى الواقع السياسي، نرى أن دولاً وحركات إسلامية أصبحت تعمل ضمن محاور دولية محددة وهي تعلن ذلك بوضوح وبدون أية مواربة.
في حين أن حركات إسلامية وعلماء مسلمين أصبحوا يطالبون علناً بتدخل الدول الغربية والاستعمارية لمساعدتهم لإسقاط الأنظمة الديكتاتورية، وهم يقدمون الكثير من الحجج الشرعية والسياسية لتبرير "الاستعانة بالأنظمة الاستعمارية الغربية أو الشرقية"، لتحقيق أهدافهم ومواجهة أعدائهم.
وقد انقسمت القوى والحركات الإسلامية ما بين محورين دوليين وإقليميين بغض النظر عن الموقف من كل محور.
وأما عندما وصلت بعض الحركات الإسلامية إلى الحكم فإنها لم تنجح في تقديم النموذج الإسلامي البديل، لا على مستوى التنمية أو محاربة الفساد أو تأمين الرفاهية والعيش الكريم,
وترفع هذه الحركات العديد من المبررات والأسباب لتبرير إخفاقاتها، وعدم تحقيق الشعارات والأهداف التي رفعتها سابقاً.
ولم تعد العلاقة بين حزب إسلامي أو حركة إسلامية ودولة غربية أو شرقية أمراً مستغرباً، و لم تعد اللقاءات مع السفراء والمبعوثين الدوليين أمراً يثير علامات الاستفهام.
في ضوء كل ذلك ينبغي إعادة النظر بما رفعته الحركات الإسلامية سابقاً من أفكار ومبادئ وشعارات والقيام بمراجعة للأداء السياسي والاجتماعي. فأما أن هذه الأفكار والشعارات كانت مثالية وغير واقعية، أو أن هناك أخطاء في الأداء والمواقف، أو أن الإسلاميين هم مثل بقية البشر يخطئون ويقومون بممارسات غير صحيحة مما يتطلب محاسبتهم وتحميلهم المسؤولية بعيداً عن أي تقديس أو نظرة مثالية، اي ان النزول من السماء الى الارض يجعل كل من يعمل في السياسة او الشأن العام هو انسان عادي يجب محاسبته والتعاطي معه وفقا للمعطيات الواقعية و"انه ليس هناك احد فوق الغربال" كما يقول المثل العامي في لبنان.
نحن اليوم بحاجة لرؤية جديدة أو منظار جديد للأوضاع لكي لا نُخدع مرة أخرى.
وان تجربة الحركات الاسلامية بحاجة لتقييم موضوعي وعلمي كي نعرف اين اصبحت هذه التجارب وهل قدّمت البديل المطلوب.
لكن لم يعد بالامكان رفع شعارات او مقولات غير واقعية لان الظروف السياسية والعملية فرضت وتفرض على الاسلاميين ان يكونوا واقعيين ويان يتعاطوا مع الاوضاع بعقلانية وبعيدا عن المواقف المسبقة او العامة او الاطلاقية.
موقع النور الجديد