استمرارا لما يبدو أكبر تعديل في القيادات العليا العسكرية للجمهورية الإسلامية منذ 17 عامًا، عيّن “المرشد الأعلى” أول من أمس الثلاثاء، ثلاثة جنرالات لشغل مناصب جديدة في القيادة العليا للقوات المسلحة؛ إذ قام خامنئي بتعيين الجنرال عبد الرحيم موسوي مساعدا لرئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، وتعيين الجنرال غلام علي رشيد قائدًا لمقر “خاتم الأنبياء”، وهو عبارة عن تكتل معقد من الوحدات العسكرية والتجارية التي تمتد أذرعها في جميع شبكات الاقتصاد والدفاع الإيرانية. كما شمل التعديل أيضًا تعيين الجنرال علي عبد الله، الذي بزغ نجمه في الحرس الثوري الإسلامي، ليشغل منصب نائب رئيس هيئة الأركان المسؤول عن التنسيق.
وتأتي التعديلات بعد أيام من إقالة اللواء حسن فيروزآبادي، الذي شغل منصب رئيس هيئة الأركان منذ عام 1989، ليحل محله اللواء محمد باقري، ضابط المخابرات المعروف بآرائه المتطرفة. ويرى بعض المحللين، أن التعديل مرتبط بالصراع الدائر على السلطة بين الفصائل، مع إشارة خاصة إلى الاتفاق النووي الأخير، الذي توسط فيه الرئيس الولايات المتحدة الأميركية باراك أوباما. وعلى سبيل المثال، كشف موقع “تابناك”، الذي يديره قائد الحرس الثوري السابق الجنرال محسن رضائي، أن فيروزآبادي أُقيل لأنه وافق ضمنيًا على تأييد الاتفاق النووي، كما يتكهن الموقع نفسه بأن أمين المجلس الأعلى للدفاع الوطني الأميرال علي شمخاني ستتم إقالته للسبب نفسه. ومع ذلك، يربط الكثير من المحللين بين هذا التعديل، الذي من المتوقع أن يعيد هيكلة البنية العسكرية الضخمة في إيران، وبين الجدل المحتدم المتنامي حيال تورط إيران في المأساة السورية.
وفي هذا الصدد، يقول الباحث أنوش فاربود: “وجدت إيران نفسها في مأزق؛ إذ انزلق النظام في المستنقع السوري دون النظر في العواقب، مفترضا أن النظام السوري سيتغلب على المعارضة بفضل الدعم المالي والعسكري من إيران، في غضون أسابيع قليلة، إلا أن ذلك لم يحدث، ومن غير المرجح حدوثه على ما يبدو”.
وعلى الجانب الآخر، يحاول محللون آخرون، مقربون من النظام، تبرير تورط إيران في سوريا بما هو أبعد من مصير نظام الأسد. ويوضح جواد كريمي، وهو عضو في مجلس الشورى الإسلامي، قائلا: “تعد سوريا درعًا بشرية لنا. هناك يحارب السوريون واللبنانيون والأفغان والباكستانيون ويموتون لكي نبقى آمنين هنا في إيران. أما إذا سقطت سوريا، فسيتعين علينا محاربة الإرهابيين هنا في مدننا”.
ومن ثم تعج وسائل الإعلام الرسمية بادعاءات أن فوز القوات المعادية للأسد سيعقبه هجمات على إيران؛ وذلك فقط من أجل إخفاء عدم الارتياح المتزايد.
وبدوره يقول الجنرال إسماعيل كوثري، أحد مؤسسي الحرس الثوري الإسلامي الإيراني: “نحن في حاجة إلى قواعد على الحدود الإسرائيلية. وقد حدد المرشد الأعلى موعد اختفاء الدولة الصهيونية من على الخريطة بحلول عام 2025. ومن أجل القيام بدورنا، عندما يحين ذلك الوقت، علينا التواجد في لبنان وسوريا. ولكي نحافظ على ذلك التواجد، فنحن في حاجة إلى حزب الله في لبنان والأسد في سوريا”.
غير أن البعض من داخل النظام يرى أنه حتى لو كان هذا التحليل صحيحًا، تظل الحقيقة هي أن الجمهورية الإسلامية ليس لديها استراتيجية شاملة لسوريا ولا للبنان، بخلاف منع شعوب تلك الدول من ممارسة حقها في حكم أنفسها بنفسها. في حين يرى البعض من شاكلة الجنرال رضائي، الذي طلب منه خامنئي مؤخرًا التحقيق من الكارثة الإيرانية في خان طومان بالقرب من حلب، أن الجمهورية الإسلامية لا بد أن تُعلن السيطرة الكاملة على الحرب في سوريا شرطا لمواصلة دعهما للنظام السوري. وكان رضائي قد عاب على القوات السورية، رفضها جلب الدبابات والمدفعية الثقيلة لمساعدة الوحدات الإيرانية المحاصرة في خان طومان. ونتيجة لذلك، لقيت أعداد كبيرة من مقاتلي قوات النخبة الإيرانية مصرعها أو وقعت أسيرة في أيدي ثوار جبهة النصرة. وتقهقرت الوحدة الإيرانية سريعًا، تاركة وراءها جثث الإيرانيين متناثرة في شوارع المدينة السورية الصغيرة.
وأثار الحادث تعليقات انتقادية مثيرة للدهشة، حيث صرح الجنرال عطا الله صالحي، قائد الجيش النظامي، في مؤتمر صحافي بأن “من أرسل قوات النخبة إلى سوريا هي، منظمة أخرى وليس الجيش”. وأضاف، أن “واجب الجيش هو حماية حدود البلاد”، ملمحًا إلى عدم التدخل في الدول الأجنبية.
ومع ذلك، فإن التيار المؤيد للعب دور رائد في سوريا لا يزال قويًا داخل شبكات الاستخبارات العسكرية التي توفر قاعدة دعم رئيسية لخامنئي.
ويقول الباحث ناصر زماني: إن “المرشد الأعلى قال مرارًا وتكرارًا إنه لن يسمح للأسد بالسقوط”. مضيفا: “إنه يتعرض لضغوط من أجل الانخراط في سوريا بشكل كبير على أمل تحقيق نصر جلي”.
وعلى الرغم من ذلك، فلطالما كان خامنئي لاعبًا حذرًا، ولا يبدو أنه يميل إلى تصعيد الموقف في سوريا. وعوضًا عن ذلك، فربما يبحث عن وسيلة للتراجع دون أن يفقد ماء وجهه. وإحدى السبل التي تُمكنه من ذلك، هو التنسيق بشكل وثيق مع روسيا. ولهذا تحدث عن “التطلع نحو الشرق”، على الرغم من أن روسيا تقع شمال إيران وليس جهة الشرق. وقد بعث مستشاره الخاص علي أكبر ولايتي لإجراء “محادثات مكثفة” مع القادة الروس، بما في ذلك الرئيس فلاديمير بوتين، كما بعث بـ”علي شمخاني” من أجل القيام بجولة أخرى من المحادثات في موسكو. وكذلك زار وزير الدفاع حسين دبقان العاصمة موسكو لإجراء محادثات ثنائية بشأن سوريا، مستبعدًا وزير الدفاع السوري، على الرغم من المطالب التي أعلنتها دمشق على الملء لعقد اجتماع ثلاثي.
وما زاد الأمور تعقيدًا أن خامنئي لم يعد على يقين بشأن ما يريده بوتين حقًا في سوريا.
ويقول فاربود: إن “النقطة الإيجابية في الوقت الراهن تتمثل في أن القيادة الإيرانية بدأت تعيد النظر في سياساتها في سوريا”، مضيفا أن “هذا في حد ذاته يعد إقرارا بفشل السياسة الحالية”.