نصرالله وأفول شخصية البطل أسّس السيّد حسن نصرالله شخصيّة البطل المنتصر مُذ جاء الى الحزب كأمين عام له وثبّت مقولة الوعد الالهي الذي يعدُ به المستضعفون من الرجال عملاً بدين الاتكال على الله في حزبه الذي نجح في فتح ما عجز عنه آخرون لا يتكلون على الله وحرّر البلاد من العدو وأسر العباد في نصر مازال يصرف من رصيده في السياسة التي غالبته وغلبته كونه طارىء عليها ولا يُجيدها ولكنه يعرف كيفية التسلل على حبالها " المعربسة " بطريقة لطالما أوقعته في شباكها .
يعيش الناس من البؤساء هاجس المنتصر والمخلص والبطل الذي لا يموت تماماً كما هي حال أحوال الذين مرّوا بظروف مشابهة تحت ضغط الفقر وعبء الاستبداد ومرور الاحتلال وكانت الماركسية بصورة البطل التاريخي محاولة للكتلة البشرية في نهوضها المبكر مما هي فيه من أزمات وعلى نفس السياق بالغ القوميون في أنتاج أسطورة البطولة في الرمز التاريخي لتحسين شروط الأمّة في الحياة .
اذاً نحن أمام تجربة البطل الذي اتضح في التجربة الماركسية والقومية أنه اكثر البشر وهناً وضعفاً ولكن الآلة الحزبية صنعت منه الشخصية الاستثنائية في أمّة غير قادرة على استنساخه من جديد في صورة أي رحم عقيم على خلقه مرّة أخرى فكان ستالين أكثر المجرمين المنتصرين على السوفيات كما كان رائدا البعث روّاد الهزيمة العربية في شخصية الفذّ الذي لا يضاهيه اله لا في أرض ولا في سماء .
بعث الاسلام السياسي والجهادي بأئمة فوق البشر وكان بن لادن نموذج الخليفة المتعالي على التاريخ وكذلك البغدادي اليوم حيث يحرك بيمينه أفئدة المؤمنين ويجعل منها قنابل موقوتة في كل اتجاهات الأرض وقد عجزت عن مواجهته حتى الآن دول ادعت حربه في العراق وسوريا واليمن وليبيا وكشف عن حجم دوره العالمي كمخرب للأمن والسلم الدوليين .
أمسى حزب الله في سوريا لا على ضوء تجربة قتاله فحسب بل على ضوء ما قاله أمينه العام صخرة صمود بعد أن كان مقاومة منتصرة وواعدة بتحرير سوريا من الارهاب واعادة نظام الأسد الى حيث كان قبل كتابة الأطفال على حيطان درعا : ارحل يا بشار ..
اذاً ثمّة هبوط اضطراري فرض على البطل اختبار مصطلحات أخرى غير المفردات التي يستخدمها عادة فما عاد الوعد وعداً ممكناً ولا النصر نصراً حتمياً والهياً وتغيرت كل التصورات التي حاكتها شخصية البطل أثناء مقاتلته للعدو الاسرائيلي وولدت تصورات أخرى مهتجسة مما هي فيه وتبدلت اشارات المرور في طرق المحافظات السورية وأريافها وكانت حلب نقطة الارتكاز في عملية التمحور الجديد خلف متراس الصمود لا أمام الفرص المتوفرة دوماً لإنجاز النصر الموعود .
في سوريا فشلت محاولات ادخال الغيب في المعارك المفتوحة رغم استخدام عناوين مذهبية لتبرير القتال المشروع سياسياً لذا رأينا كيف تراجعت الأسباب الحزبية الى مستويات أقل شأناً من العناوين المذهبية والطائفية فما عادت المقامات والقبور والوجود الشيعي والحدود والهجمات الاستباقية كافية وتمّ الانتقال الضروري الى الوازع الفعلي الداعي الى الدفاع عن المصالح لا عن النظام الفاسد .
من هنا باتت المشاركة القتالية في سورية مسألة مسار سياسي لا مصير طائفي ومذهبي وهذا ما خفف من أهمية صورة البطل المنتصر وعزّز من مسؤولية الدور الضروري في حرب ضروس من شأنها أن تلغي حسابات الواقع العربي والأوسطي لصالح حسابات سياسية جديدة لا مكان فيها للأبطال الطالعة من النصوص الدينية والايديولوجية .
في خطاب السيد الأخير اطلالة لشخصية واقعية من شأنها أن ترمي الأسطورة في السلة السورية وبذلك يضع الحصان أمام العربة أيّ أن هناك قراءة موضوعية لصراع لا يُدار بمنطق الوعود المقدسة وهذا تصحيح لخلل عميق في التجربة الأمنية لحزب مدعو الى مزاولة السياسة أكثر مما يمتهن السلاح وهذا ما سينشط العقل الحزبي وتوابعه وسيحرر الجمهور من أقفال الجهل الذي يدعوهم الى السبّ والشتم واللعن والتكفير والتهوين والتخوين دون أن يحركوا عقولاً مشلولة لا تصلح لفهم رأي ولا لمناقشة موقف مختلف ففي أفواههم مجرد بصاق يغسلون فيه وجوههم اليابسة من كل حياء .
في كل مرحلة من مراحل الحرب السورية سيتجدد الخطاب الواقعي وسيلغى الخطاب التاريخي لوعورة الوعد في ساحة تحتاج الى يقظة في العقل لا الى كبوة في الاتكال وهذا ما سيساعد على انتاج معرفة كاملة خارجة من الأسباب المباشرة والموضوعية لا من كتب الخلاص فلا يبقى اليماني والسفياني والنفس الزكية وآخرين من لائحة أسماء طويلة مظاهر حتمية لظهور المخلص الذي سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً