الذين تابعوا اللقاء بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون، وهو اللقاء الأول بينهما بعد فترة جفاء، توقفوا ملياً عند معانيه السياسية في هذا الوقت بالذات، وسجلوا الملاحظات التالية، في الشكل والمضمون:
أولاً: من حيث الشكل، كان لافتاً أن الصحافيين الذين يتولون عادة تغطية نشاطات عين التينة منعوا من تجاوز الحاجز الأمني عند مدخل مقر الرئاسة الثانية، ولم يتمّ تصوير اللقاء من قبل التلفزيونات، وحتى أن تلفزيون الـ "ان بي ان"، الذي يصوّر عادة كل شاردة وكل واردة تتعلق بنشاط الرئيس بري غاب عن هذا اللقاء.
وهذا الأمر يعني بالنسبة إلى الذين يعرفون طريقة تفكير "الأستاذ" أن بري تعمّد الاّ يعطي هذا اللقاء حجماً غير اعتيادي، وفضّل حصره من ضمن زيارات المعايدة ليس إلاّ، مع ما يعنيه ذلك من أن مهندس تدوير الزوايا أراد أن يترك لمخيلة المحللين مجالاً واسعاً للتحليل والإستنتاج، مع إصراره ألاّ يتسرب من خلال أوساطه أي معلومة عما دار في اللقاء من احاديث، خصوصاً في ظل كثرة التأويلات والتفسيرات، التي تلت لقاءه ورئيس "التيار الوطني الحر" الوزير جبران باسيل.
ثانياً: من حيث المضمون، لم يرشح عن اللقاء معلومات واضحة عما دار فيه من مناقشات، علماً أن ملف النفط كان الطبق الرئيسي بين الرجلين، من دون أن يعني ذلك أن موضوع الرئاسة الأولى غاب عن السمع، وهو أمر طبيعي في مثل هكذا لقاءات، وبالأخص أن أوساط الرابية تحاول ومنذ مدة ليست بقصيرة، وعقب التصريحات الأخيرة لرئيس "اللقاء الديمقراطي" النائب وليد جنبلاط، إشاعة أجواء تفاؤلية بقرب حلحلة في الملف الرئاسي، مع تأكيدها بأن الحركة السياسية تصبّ في خانة وصول "الجنرال" إلى قصر بعبدا، ونضوج التسوية المتكاملة حلقاتها بين الداخل والخارج.
إلاّ أن خبرة الرئيس بري في التعامل مع الوقائع والأحداث حتّمت عليه التعاطي مع زيارة "الجنرال" بكثير من الحنكة السياسية في مرحلة دقيقة وحرجة، لا تحتمل الكثير من الدعسات الناقصة، وهو تقصدّ أن يترك الباب مفتوحاً أمام الترجيحات غير المحسومة النتائج، خصوصاً أن لا شيء جديداً طرأ على حركة الإتصالات المتعلقة بالملف الرئاسي، في ظل التعقيدات الإقليمية، وأن اوآن قطف الثمرة الرئاسية لم تنضج بعد، وأن الحديث عن قرب انفراج رئاسي لا يعدو كونه تعبيراً عن تمنيات واضغاث أحلام.
إلاّ أن ما لفت المراقبين هو أنه بمجرد لقاء الرجلين يمكن الحديث عن ذوبان للجليد الذي كان بينهما، وهو يعتبر بداية لحركة جدّية تتناول في تفاصيلها ما يمكن تسميته سلّة متكاملة تشمل كل القضايا الخلافية قبل ولوج مرحلة التأسيس لانتخابات رئاسية لا تكتمل حلقاتها إلاّ بعد التوافق على عناوين عريضة لقانون جديد للإنتخابات النيابية وشكل الحكومة العتيدة، وما بينهما من تفاصيل لا بدّ من الإتفاق عليها مسبقاً كمقدمة لازمة للخروج من دوامة الفراغ الرئاسي.
اندرية قصاص